استشهاد الشاب/ مراد محمد علي عوض الوصابي ـ وإصابة شقيقه "بسام" بإصابات خطيرة مساء السبت 2/2/2010م في العاصمة صنعاء أثناء الاشتباك المسلح الذي دار بين عناصر تنتمي لقبيلتين من العيار الثقيل
ـ حسب القاموس والفقه السياسي والمناطقي للدولة والحكومة الرشيدة، كشف لنا المزيد من البون الشاسع بين معنى أن يقتل إنسان ينحدر من مناطق كـ"وصاب وعتمة وريمة"، مثلاً وآخر يقتل بنفس الطريقة، سواء كان عمداً أو
بالخطأ من مناطق كعمران أو نهم أو خولان.. كما قدم لنا استشهاد هذا الشاب البريئ درساً جديداً للمواطنة وما هي امتيازات الشخص الذي ينتمي للعصيمات أو عمران أو همدان وماذا تعني قطرة الدم التي تسيل منه لأي سبب
كان وغيره من أبناء المناطق الأخرى الذين تسيل شلالات من دمائهم ولا تهتز لها أصغر شعرة في شارب أو حاجب شاب أو شيخ أو صغير أو كبير في هذه القبيلة أو تلك التي أسالت شلالات دماء الأبرياء..!.
وكشف لنا استشهاد "مراد الوصابي" وإصابة أخيه ـ الذي ظل ينزف حتى أو شك على الموت لو لا وصول الشيخ الشجاع/ جميل فتح مسيرة ـ أحد أبناء وصاب الشرفاء ـ ومغامرته وسط الرصاص حتى وصل للمغدورين
وقام بإسعافهم لينقذ ما يمكن إنقاذه ـ كشف لنا هذا العمل النظرة التي تنظر بها ومن خلالها مؤسسات الدولة وبعض القبائل هنا لأبناء المناطق المستضعفة والمسحوقة بكل اللغات والألوان والمسميات..!
لعل استشهاد "مراد الوصابي" وإصابه أخيه ـ المواطنان اليمنيان ـ وإن كان فقط في سجلات دافعي الضرائب والواجبات الزكوية والغرامات وحق "ابن هادي" في معتقلات وسراديب أقسام الشرطة والبلدية، اختصرلنا هذا
الفعل الاجرامي ما يعانيه المستغلون والمستضعفون والمحرومون في مناطق كثيرة في هذا البلد من قبل أجهزة القمع والقبائل النافذة والخارجة عن القانون، الذين حرموا الآخرين من أبسط مقومات وشروط المواطنة والآدمية، حتى
وإن كانت من الدرجة الخامسة أو تحت أي مصطلح أو مسمى، كمسمى الـ"بدون" في بعض بطائق الهوية وإثبات الشخصية في دولة الكويت الشقيقة، التي تمنح صفة الـ"بدون" لعشرات الآلاف من الناس هناك ممن لا
يتمتعون بالهوية الكاملة أو أنهم ليسوا كويتيين خالصيين وذلك بسبب الهجرة الكبيرة، إلى هذا البلد قبل عام 1990م، ومع هذا يتمتعون هناك بكامل الحقوق.. فإذا قتل أحد من حملة هوية الـ"بدون" القي القبض على القاتل
وحوكم وأعدم وإذا سلب حقه أعادته له الدولة وإذا أهين رد له اعتباره، أما نحن هنا في اليمن من نسكن في مناطق ك"وصاب أو عتمة، وريمة، والعدين" وغيرها من المناطق المحكومة بالنار أو الحديد والغطرسة فلم تتمتع بأي
امتيازات كتلك التي يتمتع بها حملة هوية الـ"بدون" في الكويت ولا الزنوج في أميركا الذين ظلوا مظلومين حتى قامت ثورة "مارتن لوتركنج" والتي وحدت بين البيض والسود..!
لاحظوا معي كيف ينظرون لأبناء المناطق المغلوبة على أمرها، التي كانت عبر مراحل التاريخ رقماً صعباً وشريكاً وطنياً في صناعة وكتابة الكثير من الصفحات التاريخية لهذا البلد والتي ظلمت حتى من قبل بعض المؤرخين..
لاحظوا كيف ينظرون لأبناء "عتمة، وصاب، ريمة، والخ" وذلك من خلال حادثة استشهاد " مراد الوصابي" وإصابة أخيه وشخص آخر، فها هو اليوم العاشر تقريباً للحادث يمر ولم يكن يكلف المهاجمون ـ حسب
الروايات عناصر الشيخ/ حميد أنفسهم ولا المدافعون "عناصر المحافظ"، أنفسهم أيضاً ويأتون ـ حسب العُرف ليحكموا أهل الدم أو على الأقل يسألوا عن بعض التفاصيل عن أسرة المجني عليهم من أي مخيم للاجئين تعود
تحديداً، لأن النظرة العامة هنا لتلك المناطق على أنها مخيمات وأرقام تسجيل في سجلات التعداد والواجبات والزكاة وليس لها من وظيفة أو قيمة أخرى.. بمعنى لا تقدم شيئاً ولا تؤخر..!.
المؤتمر والإصلاح
وبما أن الجهات الرسمية وكذلك المتهمين بالقتل لم يكلفوا أنفسهم شيئاً ولم يعيروا أبناء حوالي "9" دوائر انتخابية في "عتمة ووصابين"، كذلك اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام والتي عقدت في اليوم الثاني للحادث اجتماعاً
طارئاً وأصدرت بيان إدانة لما تعرض له منزل المحافظ/ نعمان دويد ـ من قبل ـ كما جاء في الخبر ـ عناصر تتبع الشيخ/ حميد الأحمر ـ ولم تضف كلمة واحدة في نهاية البيان ولو من باب كسب تقدير مئات الآلاف من
المواطنين وأصواتهم وتشير في نهاية البيان للشهيد والجريحين فقط، ومثلما عملت اللجنة العامة للمؤتمر كذلك كان موقف "بيان التجمع اليمني للإصلاح"، الذي أصدر هو الآخر بيان إدانة في حق المحافظ "دويد" واتهام
أنصاره والسلطة بملاحقة موكب الأحمر.. وفي البيان لم يأت ذكر الضحايا مطلقاً، وكأنهم ليسوا بشراً .. وإنما من فصيلة.. "الشامبنزي" لتعيبها أو تسقط صواريخ أرض أرض أو صواريخ أرض جو ومضادات
الطيران وإن كانت بأسلوب وثقافة ومنهج "داحس والغبراء". مع فارق بسيط هو الأدوات والوسائل المتمثلة بـ12/7 وبي 10 وممطا وغيره.. بمعنى، كما قيل، صابح وصاب أو عتمة بعد أن عرفوا أنه الضحية سهل
ما دام القتيل والجرحى من هناك، الحمدلله جاءت هكذا.
زمن منفلت:
إذن ألست عزيزي القارئ معي أننا بالفعل نعيش واقعاً مزرياً ينتمي لأطباق زمن متفلتة عناوينه البارزة وهي حكومة غائبة وآدمية منتهكة ومواطنة مسلوبة وحقوق مغتصبة وعدالة مقتولة ومساواة مشلولة ومؤسسات صنمية ودستور
خارج التغطية وقوانين مسحوقة..؟! وألستم معي يا قوم.. في أن عدم السماح أثناء غزوة "تغلب" الأخيرة على "تميم" بإسعاف التقيل الواصابي وأخيه الجريح بعد إصابتهم مباشرة، إلى جانب عدم احترام القتلة
الذين يعرفون أنفسهم تماماً في الاعتراف بالجريمة، والتحكيم على الأقل وفق شريعة الغاب يؤكد بأن هذا السلوك وهذه الثقافة لم تأتنا من فراع وإنما لهما امتداد عميق في الذاكرة الاجتماعية والمناطقية الاقصائية الاستعلائية،
المستهترة بالآخر..؟!
على أية حال مثل هكذا أحداث تنبهنا بالفعل إلى عدم القفز على واقعنا نحن أبناء تلك المناطق، الذين نحاول أن نسعى بصدق دوماً إلى تحميل شعارات الحرية والديمقراطية والمساواة والعصرنة فوق طاقتها.. زاعمين وحالمين
بأننا جزء من المجتمع ومؤسسات الدولة وشركاء في النهوض وأبناء التنمية.. نعم لقد أوهمتنا كثيراً هذه الشعارات، برغم الواقع المر.. لقد أوهمتنا شعارات وأهداف الثورة التي تسفك دماؤها.. أو ما تبقى منها كل يوم،
دون أن يساءل أحد أو يحاسب أحد أو يندم أحد، أو على الأقل سيحكم أحد الثوار والثلاياء والزبيري ، واللقية والنعمان وغيرهم إلى قبره .. تماماً كما حصل مع الشهيد "مراد الوصابي"..!
مقارنة على الماشي:
بقى أن نقول: إن قتل الشاب البريء "مراد الوصابي" وإصابة أخيه "عصام" قد تذكرنا بالشهيد الثائر "محمد البوعزيزي" التونسي ـ الذي أذكى فتيل الثورة في تونيس والتي امتدت شرارتها لمصر الكنانة العظيمة
التي ربما لن تتوقف عندها.. وفي هذا السياق يمكن القول أيضاً: إن هناك الكثير من أوجه الشبه بين "البوعزيزي التونسي" والشهيد "مراد الوصابي"، أما أوجه هذه المقارنة فيتمثل أولاً: إن الثائر البوعزيزي
التونسي ينحدر من منطقة مقهورة ومضطهدة من قبل الدولة ومؤسساتها الرسمية والنافذين فيها منذ عقود، وهذه المنطقة تقع في الداخل، أو الوسط التونسي وهذا ينطبق تماماً على الشهيد "مراد الوصابي" ثانياً: استشهاد "
البوعزيزي" جاء نتيجة لصفعه من إحدى أدوات النظام التونسي السابق، كذلك استشهاد "مراد الوصابي" نتيجة إهمال النظام وعدم ضبطه للخارجين عن القانون والمعتدين، مهما كان حجمهم.
ثالثاً: البوعزيزي التونسي كان كبير إخوانه وعائلهم الوحيد، و"مراد الوصابي" كان كبير وإخوته وعائلهم الوحيد رابعاً: البوعزيزي التونسي كان يعمل في تجميع علب الماء والمشروبات الغازية والعصائر الفارغة إلى
جانب بيعه على عربيته التي أدخلت الآن المتحف التونسي الوطني ـ عصائر ومياه، كذلك "مراد الوصابي" كان يعمل بنفس المجال.. تماماً البوعزيزي التونسي ينتمي لأسرة فقيرة ومعدمة جداً، "ومراد الوصابي" ينتمي
لأسرة فقيرة ومعدمة جداً أيضاً، ولكم أن تكملوا الكثير من أوجه المقارنة قرائي الكرام.
عبد الكريم المدي
البوعزيزي الوصابي 2085