بعد أن أحدث جروحاً عميقة في جسد مصر وروحها تنحى حسني مبارك تحت ضغط الشعب وثورته الباسلة وتسلم الجيش مقاليد الأمور ليكون حارساً وأميناً على فترة انتقالية تعود فيها السلطة للشعب وتعود الطمأنينة للناس.
كانت مطالب المنافقين والموافقين تنادي برحيل المنتفضين والمعتصمين إلى بيوتهم ولا تتجرأ على ذات الطلب من رئيس كان يعيش في عالم آخر منذ فترة ليست قصيرة من حكمه البائد.
اليوم وغدا ستجري نقاشات كثيرة حول الجوانب الدستورية في كيفية الانتقال للحكم المدني وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية لتمرير فترة ستكون من أهم فترات التاريخ المصري الحديث، لكن العمل على دستور جديد كلياً يجري على قدم وساق.
لا شك أن هناك اجتهادات مختلفة حول هذا الموضوع، كما أن هناك خلافات بين مكونات الثورة حول جملة العناوين المتعلقة بالمستقبل وبمن لديه الجدارة ليقود مصر في فترة الحكم المدني، لكن الشيء المؤكد والذي يجمع عليه المصريون هو أن سقوط مبارك ومغادرته الحياة السياسية سيفتح الطريق واسعاً أمام حل كافة المعضلات التي تواجهها الثورات عادة بعد انتهاء النظام السابق لها وبناء نظام جديد.
إن الانتقال للحياة المدنية بعد رفع حالة الطوارئ وكافة القوانين المكبلة للنشاط السياسي تحمل في طياتها إشكالات متنوعة وطبيعية تستطيع الثورة أن تعالجها. لكن الأهم في كل ما جرى أن رأس النظام رحل، وبالتالي فإن القسم الأكبر من تعقيد المشهد قد اختفى وأصبح الحل في متناول اليد.
المجلس الأعلى للجيش المصري الذي آلت إليه مقاليد الأمور، وفي غياب أي منصب رسمي لعمر سليمان نائب مبارك الذي طالبته الجماهير بالرحيل أيضاً، هذا المجلس أعلن أنه سيلغي قانون الطوارئ وسيشرك المدنيين في الحكم عبر تكليفات محددة ستطول رئيس المحكمة الدستورية العليا وغيره من أرباب الفقه الدستوري والثقات لتولي هذه المرحلة المكتظة بالمهمات كما الحساسيات والصعوبات تحت حمايته وإسناده، كما سيحدد جدولاً زمنياً واضحاً لتطبيق كافة الإصلاحات والتغييرات الثورية المطلوبة، كما سيقوم بحل مجلسي الشعب والشورى، وبهذا تكون الثورة المباركة قد حققت معظم أهدافها ووضعت البلاد على بداية الطريق السليم لمستقبل أفضل وأجمل لمصر ولشعبها الجبار، كما أنها بذلك قدمت النموذج الأفضل والأكثر تأثيراً في المنطقة العربية.
إن حكماً مستبداً كالذي أداره مبارك على امتداد ثلاثين عاماً لا بد أن ينتهي بهذه الطريقة، فنظام التبعية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بمكونه الرئيسي "أجهزة الأمن والقمع" أنتج أسوأ ما يمكن إنتاجه من أنظمة الفساد، هذا النظام الذي أهان مصر وكبرياءها وجعلها دولة صغرى في المنطقة بعدما كانت تقودها وتوجه سياستها لعقود طويلة.
لقد جرح كرامة وطنه وخذل شعبه ليس في الشأن الداخلي والحريات العامة والاقتصاد فقط، بل وفي عروبة مصر ودورها كحامية لمشروع النهضة العربية التي يحلم بها شباب هذه الأمة منذ عقود، كما في قضية القضايا بالنسبة للمواطن المصري والعربي ألا وهي قضية فلسطين التي لم يتخل عنها فقط بل استخدمها مجرد ورقة يتلاعب بها لحفظ بعض الدور لنظامه المستبد والتابع.
يوم الجمعة الحادي عشر من شباط "فبراير" عام 2011 سيكتب بأحرف من نور في تاريخ مصر والأمة العربية، إنه أشبه ما يكون بصبيحة الثالث والعشرين من يوليو 1952.
نحن على أعتاب مرحلة جديدة بكل المقاييس ويمكن تلخيص المعنى العظيم لإسقاط نظام الردة في مصر العربية بالقول: من الآن سيفتخر المواطن العربي بقوميته وانتسابه لأمة أنتجت ثورة كثورة مصر وتونس و"الحبل على الجرار".
إن احتفالات المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج تظهر كم كان شعبنا العربي متعطشاً لاستعادة بعض أحلامه المخذولة من حكام الذل والتبعية.
لنتوحد كلنا من أجل حماية مكتسبات الثورة من أجل مصر ومن أجل فلسطين ومن أجل الأمة العربية.. ولنحفظ دائماً دم شهدائنا الأبرار.
زياد أبو شاويش
سقوط الطاغية حسني مبارك يفتح الطريق إلى المستقبل 1751