كنت قد تطرقت في مقالين سابقين إلى مخاطر السلاح والآثار المترتبة على حمله وما يشكله من مظهر غير حضاري، وكان الأول بعنوان "إقرار حمل وحيازة السلاح مسؤولية وطنية" بينما الثاني بعنوان" إخراج قانون السلاح للنور واجب ديني ومطلب أمني".. وفيما وجهت نداءات متكررة للسادة النواب للاضطلاع وللقيام بواجبهم طاعة لربهم وحقناً لدماء الأبرياء التي كثيراً ما تسفك جراء ضغوطات الحياة اليومية أو ما قد يحدث من خلاف واختلافات يكون فيها الشيطان حكماً وسيداً للموقف إذا كانت وسيلة الموت موجودة وحاضرة.. فتؤدي إلى نتائج غير محمودة العواقب من ترميل أو تيتيم وتثكيل، إضافة إلى فتح بوابة حصاد الشر بثأرات وعداوات وضغائن وأحقاد بين أبناء العقيدة الواحدة.. وإما إن حدثت فتن والأمر كذلك فستجهز على الأخضر واليابس وسينكوي الجميع ومن دون استثناء بنارها ولن نكون حينها إلا كرة تتقاذفها أقدام أعداء الأمة شئنا أم أبينا وعلكة تتسلى بها القنوات الفضائية التدميرية الباحثة عن الإثارة.. ذلك إنه من غير الممكن تجاهل خطرها التحريضي الذي يعصف بالوطن والمواطن على حد سواء ولن يكون هناك رابح أو خاسر.. فالجميع في خندق واحد والمؤامرات والمكائد لا تحاك لطرف دون الآخر.. ولن تنحاز لهذا دون ذاك.. فمتى اشتعلت النار سيجتهد المجتهدون ليس لإخمادها، بل بصب الزيت عليها وكل سينفخ من جانب، نسأل الله السلامة والعافية وأن يطفئ نيران الفتن ويجنب العباد ويلاتها.. وصدق رسولكم الكريم القائل" من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه لا ينقص من أجرهم شيئاً.. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئاً".
واليوم نجدد الدعوة لما لهذا الموضوع من أهمية.. فالأمر جد خطير ولا يحتاج إلى تأخير.. فالوطن تتقاذفه الأعاصير وأنتم تحملتم أمانة وأقسمتم على القيام بحقها.. فلا تترددوا وكونوا عند مستوى المسؤولية بوقفة شجاعة وجادة لإفشال مخططات أعداء الأمة الإسلامية الرامية إلى عرقنة اليمن أو صوملته وإحباطاً لكيد الشيطان الذي حذر منه ربكم في قوله تعالى" الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم".
الشيطان الذي يزين لأبناء الوطن الفرقة والشتات طمعاً في الدنيا التي قال عنها رسولكم الكريم "مالي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها" وقال " وما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصعبه في اليّم فلينظر بما يرجع".. وهو نفسه صلاة ربي عليه وسلامه كان يبيت الليالي المتتابعة طاوياً جوعه وأهله لا يجدون عشاء وهو من كان يربط على بطنه الحجر والحجرين والثلاثة من شدة الجوع، ويقول قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافاً وقنعه الله بما أتاه وأما من آتاه الله مالاً فليس له منه إلا ما ذكره رسولكم "يقول ابن آدم مالي مـالي وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت" وقال عليه الصلاة والسلام " إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال" وقال أيضاً" لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل فيه وعن ماله من أي اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه".
وقال تعالى" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" وقوله تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير".. وهو ما دفعني للتأكيد أيضاً على أن تجارة الأسلحة أو تجارة الموت لا تعود على صاحبها بخير، بل ربما بأوزارٍ، فرسولكم يقول " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
وإن كان الهدف الأساس هو المال أو المنصب أو النفوذ.. فيمكن تحقيقها من خلال المجالات المشروعة.. فأبواب التجارة كثيرة ومكاسبها وفيرة ومن ترك لله حاجة أبدله بخير منها والمسلم الحق من سلم المسلمون من يده ولسانه ولينظر كل منا إلى نفسه.. فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فليراجع نفسه قبل فوات الأوان ولينظر ملياً في راحل امتلك بها جميع مباهج الدنيا ثم غادرها بحشد جنائزي مهيب سرعان ما ولى وانصرف لحال سبيله.. فإذا به لا مال له ولا جاه ولا صديق، بل تركوه وحيداً مع عمله.. فإن كان خيراً فخيراً وإن كان شراً فلا حول ولا قوة إلا بالله وعسى أن يجتهد ولده في معرفة حقيقة هذه الدنيا.. فيتفادى الوقوع في شباكها عتقاً لنفسه ورحمة بولده وبراً بوالده.. فرسولكم قد رأى رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين.. والسلاح فيه من الأذى ما الله به عليم.
وأذكر العباد أيضاً بقول الرسول " من حمل علينا سلاحاً فليس منا ومن غشنا فليس منا" وقال " لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة في النار".. وكذا ومن أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع وإن كان أخوه لأبيه وأمه" وإذا كان صلوات الله عليه وسلامه قد نهى حتى تعاطي السيف مسلولاً فاحذروا تعاطي أسلحتكم مشحونة فما تجره من ويلات ليس بخافٍ على أحد واعلموا أن الجراح تندمل والكسور تتجبر وسوء الفهم يزول مع مرور الوقت.. فتسموا النفوس وتصفوا القلوب وتذوب الأضغان والأحقاد بغياب هذه الوسيلة أما وإن كانت حاضرة فهيهات أن يحدث ذلك وهيهات أن تطوى صفحات الجراح والآلام.. فلما لا ندعها جانباً ونكون أكثر تحضراً والشخصيات الفاعلة في المجلس والمجتمع من مشائخ وأعيان وكبار القادة هل يكونون القدوة الحسنة تواضعاً لله وليس لأحد سواه؟
الأخوة والآباء النواب الكرام جميعكم راحل إما عن المجلس أو عن الدنيا بأسرها وهذه سنة الحياة ولو دامت لغيركم ما وصلت إليكم.. فاحرصوا على إقرار ما ينتفع به العباد ويحقق الأمن للبلاد ولتكونوا القدوة الحسنة في أقوالكم وأفعالكم لمن يأتي بعدكم ولعل إقرار قانون السلاح أهم بكثير من جلسة استجواب الوزير والتباكي على الضحايا الأبرياء.. فالاشتباكات المسلحة أمر وارد والاحتكاكات غير مستبعدة متى ما كانت هذه الأداة حاضرة أما في ظل التجاهل فسيظل خطرها قائماً ببلاوي وكوارث تتضاعف على مستوى الأسرة والمجتمع وتكونون أشبه بمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته.
وفي الأخير نذكركم بقول رسولكم الكريم " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".. آملين أن يدرك الجميع جسامة المسؤولية الوطنية والدينية رحمة بالعباد وأداء للواجب وبما يحقق ضماناً لعدم الاستغلال السيء من قبل المتنفذين أكانوا مدنيين أو عسكريين.. سائلين المولى عز وجل أن يجنب البلاد والعباد الويلات والفتن ما ظهر منها وما بطن.
عفاف سالم
نوابنا الكرام احسنوا الختام 2011