هكذا هي الدنيا وهذه هي حقيقة الحياة التي نرفض نحن كبشر الإيمان بها ، نأبى أن نتعلم ونعتبر ونصلح من أنفسنا ونغير لما فيه خدمة تاريخنا ومستقبل أوطاننا وشعوبنا.
مازلنا غير موقنين بديننا وما جاء فيه من العضات والعبر تجسدت في قصص الأولين ، من أقوام وقرى وبلدان، خسف الله بها، ممالك وملوك تجبروا وبغوا في الأرض، فكانت الحياة أقوى منهم وأشد منهم تشبثا بالدنيا ومغرياتها الزائفة، فعاشت الحياة وماتوا هم، ولم يخلفوا سوى تاريخ أسود ملبد بظلام أفعالهم وتعنتهم وتكبرهم على الله وعلى خلقه.
ما يجري اليوم على الساحة المصرية وقبلها الساحة التونسية، يجعلنا نستشعر عظمة إرادة الله عندما يقول للشيء كن فيكون، نهضت إرادة الشعوب بمشيئة إلهية بحتة لم يكن أحد يتوقعها، قد ربما استهان بها الكثير وراهن على زوال تلك الإرادة الكثير، لكن حقيقة الحياة وتاريخها الطويل بما فيها من سير الأولين بمختلف أنواعها تجبرنا على التوقف عند نقطة هامة الكل يعرفها إلا أن ضعف إيماننا يشغلنا عن التوقف عندها والتدبر فيها، قال تعالى : " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "آل عمران26
ما يجري اليوم في مصر الشقيقة من إصرار شعبي قوي لارجعة عنه في إسقاط مبارك حدث عظيم، لم يكن في الحسبان وان كان كذلك فلم يكن إلى هذا الحد الذي عجز مبارك ونظامه من السيطرة عليه، أسرار كثيرة باتت مكشوفة كانت وراء النقمة الشعبية من الرئيس مبارك ونظامه، في مقدمتها تقييد الحريات والتوسع والانتشار السريع للبطالة والفقر والغلاء المعيشي المتزامن مع الارتفاع الكبير لعدد السكان، لقد أساءت الإدارة المصرية التعامل الصحيح والجاد مع متطلبات الواقع المصري، كان بإمكان النظام المصري توخ الحذر ومعالجة الوضع قبل وقوع الغضب إلا انه للأسف الشديد جاءت الإصلاحات المتعاقبة والتي كان الشعب المصري ينشدها بعد اندلاع شرارة الغضب والتي أدركت أن تلك الإصلاحات والمعالجات ما هي إلا محاولة للبقاء من قبل مبارك والسيطرة على الغضب الشعبي الذي كان وما زال الأقوى، لقد تلقى الرئيس المصري ضربة قاصمة من المقربين إليه من المستشارين والوزراء ومن أوكل إليهم مسئوليات الشعب المصري، فلم يكونوا مطلقا عند الثقة والمسؤولية، إن تفاقم الأوضاع السيئة وتراكمها على الساحة المصرية دون حدوث أية معالجات، بسبب انشغال المسئولين المصريين بما يخدم مصالحهم الشخصية قد أوصل المشهد المصري الشعبي إلى ما نراه اليوم.
لقد أثبتت إرادة الشعوب أنها القوة العاتية التي لاتقهر والغضب الشجاع الذي يسارع إلى الموت مبتسما راسما للأجيال مستقبلهم الذي يجب أن يعيشوه وإرادة الشعب المصري لن تكون كذلك إذا ما اخترقتها أجندات حزبية وسياسية وتدخلات أجنبية، ستنكسر تلك الإرادة وستذبل الورود على أضرحة الشهداء، اعتقد أن الرئيس مبارك يعيش حالة مراجعة للنفس والضمير والتاريخ الطويل الحافل بشتى المعطيات المحلية والإقليمية والدولية ولكن لاندري، هل استشعر الرئيس مبارك معاناة أطفال غزة وأهلها جوعا ومرضا نتيجة حصار وجدار لم يكن واجب وضعه؟، بإرادة المصريين خسرت أميركا حليفا استراتيجيا هاما وما من شك أنها تحاول جاهدة التدخل بأي شكل من الأشكال لضمان مصالحها وأهدافها الإستراتيجية في الشرق الأوسط وفي الوقت نفسه تجد صعوبة بالغة في ذلك ولاندري ماهي الاجندات التي ستتعامل بها الولايات المتحدة وحلفائها من أجل ذلك ، هذا ما ستنبئ عنه الأيام، أخيرا يجب علينا أن ندرك أن إرادة الشعوب هي اليوم الاستفتاء الحر والاقتراع المباشر المعلن الذي لا يشوبه تزوير أو مغالطة ، وكان على الرئيس المصري أن يراجع حساباته في الفوز بـ99% فقد ربما كانت هذه النتيجة عكسية كذب عليه أتباعه، فإذا كان المتظاهرون والمنددون بسقوط الرئيس ونظامه في حدود اثنين مليون متظاهر غاضب فمؤيدوهم باق الشعب الذين اكتفوا بأولئك المتظاهرين ولم يحركوا ساكنا من اجل الرئيس محمد حسني مبارك ونظامه. فالذي أعطى مبارك الحكم والملك ينتزعه اليوم منه انتزاعا فسبحان الملك الذي لايقهر وليكن في ذلك عبرة لأولي الألباب.
aldahiad@yahoo.com
محمد أمين الداهية
المُلك لله وحده!! 2270