كنت قبل أيام معدودة قد تساءلت عن الأهداف الحقيقية الخفية منها والمكشوفة لتسريب وثائق "ويكيليكس" وعن التوقيت الدقيق لنشرها وماذا تهدف الإدارة الأمريكية من وراء تسريب مثل هذا الكم الهائل من الرسائل الدبلوماسية، ولماذا انحصرت التسريبات على دول بعينها؟.
وحقيقة كنت أريد ربط توقيت نشر تلك الوثائق بما يجري في السودان الشقيق وعملية فصل الجنوب عن الشمال، خصوصاً وان الجميع ربما في الوطن العربي كان يرفض رفضاً قاطعاً انفصال جنوب السودان عن شماله دون استثناء، بما في ذلك الأنظمة والحكومات وكانت قد بدأت بعض التحركات العربية من مصر وليبيا وبعض الأطراف، لكن الشارع العربي تفأجأ باشتعال الساحة التونسية وخروج رأس النظام التونسي مذعوراً.
وحقيقة ترددت كثيرا قبل أن أخوض في الأمر رغم الشكوك التي كانت تساورني بأن هناك سيناريوهات عدة تعد وترتب لاستهداف المنطقة العربية وبصورة غير مسبوقة وربما كان الترتيب لتتابع الأحداث قد أعد له وبطريقة محكمة جداً، فما حدث في تونس لم يكن بالأمر الهين ولا هو بالصدفة وكذلك خروج "زين العابدين بن علي " بتلك الصورة ورفض باريس استقباله وهي الحليف الاستراتيجي له, بل لو عاد أحدنا إلى الوثائق السرية التي سربت بخصوص تونس لساورته الشكوك ولن يختلف مع ما أطرح الآن.
لكن دعونا من كل هذا ونعود إلى العقد الأول من القرن الجديد وبعد أحداث سبتمبر 2001م مباشرة عندما ظن الرئيس الأمريكي الأسبق "دبليو بوش" أنه بإمكانه إجراء تغييرات كبيرة في المنطقة وبالقوة، خصوصاً وقد سربت له المعارضة العراقية في الخارج بعض المعلومات المغلوطة وبأن المواطن العراقي سوف يستقبل جنوده بالورد والترحيب.. ثم ثبت عكس ذلك وكانت الكارثة سقوط الملايين من القتلى والجرحى من الشعب العراقي وخسرت واشنطن ألاف الجنود ومئات المليارات من الدولارات في حربها الخاسرة في العراق لكن واشنطن حسب اعتقادنا لا يمكنها أن تجازف وتخطيء مرتين دون أن تراجع حساباتها, لذلك عمدت ومعها الغرب بأكمله إلى تغيير اللعبة وتجريب الداخل، خصوصاً وقد نجحت في أماكن أخرى مثل جورجيا عندما أطيح برئيس الجمهورية وتسليم السلطة لزعيمة المعارضة وما حدث في تونس لم يكن سوى محطة جس النبض وبداية اختبار للمشروع الجديد وأزعم أن واشنطن قد استطاعت أن تضرب عشرة عصافير وبحجر واحد، فأحداث تونس وبغض النظر عن نتائجها الباهرة أو الرائعة أو غير ذلك قد الهت الشارع والنظام العربي بأسره وحولت الأنظار إلى تونس ولم يعد أحد يذكر أو يتحدث عن مخاطر وتبعات انفصال الجنوب السوداني عن الشمال طيلة الفترة الماضية ولا استبعد مطلقاً مساهمة المخابرات الفرنسية والأمريكية فيما جرى في هذا تونس المستقر نسبياً عن كثير من أقطار المنطقة هذا وبغض النظر على اتفاقنا أو اختلافنا مع نظام ابن علي الفاسد والذي لم يكن سوى دمية وألعوبة تحركه فرنسا كيفما تشاء وفي أي اتجاه تريد.
لكن نجاح التجربة أو النموذج التونسي وبتلك السرعة دفع الغرب وواشنطن دفعاً لتعميم ونشر هذا النموذج وكان يمكن أحداث هيجان وغليان شعبي في بلد عربي أخر قبل الانتقال إلى مصر خاصة وهناك بلدان عربية أوضاعها الاقتصادية والسياسية أسوأ من مصر لكن الأهمية الإستراتيجية لهذا البلد تكمن في أن أية تغييرات تجري في مصر هي القابلة للتعميم والتصدير وبدون عناء, وظهر هذا جلياً في التعاطي الأمريكي مع أحداث مصر الأخيرة من تصريحات وزيرة الخارجية إلى الرئيس أوباما ومن بداية الأحداث 25 يناير وحتى يوم أمس 30 يناير وحتى لا يفهم البعض أنني أسوق للأنظمة الدكتاتورية في المنطقة بمثل هكذا تحليلات أعود فا أؤكد بأنني مع التغيير قلباً وقالباً، لكن التغيير الذي ينبع من الداخل برغبة حقيقية للتغيير والانتقال إلى الأفضل دون أن نفتح مجالاً للمخربين والسوقة والسذج ,ليجهزوا على البقية الباقية من المشاريع الإستراتيجية التي هي ملكاً للشعب وليست للنظام هنا أو هناك، فتسلب البنوك وتنهب المؤسسات وتسرق المتاحف والمتاجر وتخرب البلد.
فعندما يفقد الاقتصاد المصري ما يقرب من 15 مليار دولار في أسبوع واحد هذا جنون و كارثة ومصيبة ولو تم حصر بقية الخسائر فالرقم بكل تأكيد سيتضاعف كثيراً هذا في الوقت الذي لا نعف النظام المصري من بعض الأخطاء الجسيمة واعتقد جازماً أنها ساهمت في غليان الشارع المصري لعل أبرزها الإقصاء المتعمد للمعارضين، خصوصاً في الانتخابات الأخيرة وكذلك المواقف السلبية ومساهمته في الحصار والحرب على غزة وازعم أن التزوير الكبير الذي تم في الانتخابات المصرية الأخيرة وباعتراف رئيس مجلس الشعب المصري/ فتحي سرور أمس الأول ونقل ذلك التلفاز المصري وهو يقول بان المجلس سيعيد النظر في الطعون المقدمة بخصوص بعض المقاعد في المجلس وكأن الرجل يعترف بأن بعض أعضاء البرلمان الذي يرأسه لا شرعية لهم.. زد على ذلك البطالة والفقر الذي أنهك المواطن المصري وولد لديه الإحباط واليأس.. وللحديث صلة.
abast66@hotmail.com
عبدالباسط الشميري
إعادة تشكيل المنطقة من الداخل! 1883