منتصف الأسبوع المنصرم ومن دون سابق إعلان، زارت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون العاصمة اليمنية صنعاء، “سرية” الحديث عن الزيارة وبقاء موضوعاتها طي الكتمان كانت مفتوحة على تفسيرات مختلفة وطرح حولها أكثر من سؤال .
في هذا السياق أعاد البعض “سرية” الحديث عن الزيارة إلى كونها لم تكن ناتجة عن اتفاق بين البلدين، وهي جاءت أمريكياً على ما يمكن تفسيره بإبلاغ الجانب اليمني عن “احتمال” زيارة كلينتون لصنعاء خلال زيارتها للمنطقة التي شملت العديد من الدول العربية، ومن هنا كان الجانب اليمني في حالة شكوك من الزيارة .
البعض الآخر ذهب إلى التعامل مع الزيارة بموضوعاتها ال”مكتومة” من خلال الاحتمال والتوقعات والفرضيات، ومن ذلك ما نسب لمصادر غير معروفة ولا محددة من أن وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون ستقوم خلال زيارتها ب “الإشراف على اتفاقية لتمرير الانتخابات البرلمانية القادمة التي من المفترض أن تجرى في إبريل/ نيسان المقبل”، وأن الوزيرة الأمريكية ستتباحث مع السلطات اليمنية في “مسألة إيجاد موطئ قدم لتواجد عسكري أمريكي في عدد من المحافظات اليمنية تمتد من أبين إلى مأرب وبينهما حضرموت وشبوة، بالإضافة إلى جزيرة سقطرى” .
ومع عدم تجاهل هذه القضايا فإن هذه الزيارة ربما تكون وضعت ولأول مرة علاقة البلدين في غربال، من دون أن يعني ذلك أنها ستكون في حالة فرز الغث من السمين لأنه “لا سمين”، بل غث في مستوياته .
ما هو جدير بالإشارة هنا أن زيارة كلينتون لصنعاء ترافقت مع ما يمكن وصفه بحملة أمريكية للتضامن مع اليمن، وكان مقتل عدد من الجنود اليمنيين من قبل جماعة من القاعدة في محافظة أبين قبل نحو أسبوع، مناسبة لإعلان مساعد الرئيس الأمريكي لمكافحة الإرهاب جون يرينان أنه أبلغ الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بأن “الولايات المتحدة مصممة على الوقوف مع حكومة اليمن وشعبه في مواجهة القاعدة وأن الرئيس باراك أوباما ملتزم بمواصلة تقديم مساعدة أمنية واقتصادية وتنموية إلى اليمن”، فهل هذا الأمر ناتج عن جدية أم تغطية؟ .
زيارة كلينتون تأتي بعد أسابيع قليلة من رفض الرئيس اليمني استقبال مبعوث أمريكي، وهو أحد مساعدي كلينتون قدم لليمن لتقديم اعتذار أمريكي عن نشر “ويكيليكس” وثائق للخارجية الأمريكية أخطرها ما نسب للرئيس اليمني تجاه دول عربية، والأمر هنا لا يتعلق باليمن وعلاقاتها مع تلك الدول وحسب، بل العلاقة اليمنية الأمريكية التي يتعدى تسريب وثائق الخارجية الأمريكية الثقة والصدقية إلى التخريب الدبلوماسي والابتزاز السياسي .
وقبل هذا، وبحسب الباحث الأمريكي المتخصص في شؤون اليمن جريجوري جونون: “قبل سبعة أعوام من الآن كان تنظيم القاعدة في اليمن يلفظ أنفاسه الأخيرة، حيث أنهكته سنوات الضربات الصاروخية الأمريكية اليمنية”، لكن منذ ذلك الحين لم تسر الأمور على ما يرام: “لم يعد تنظيم القاعدة على رأس الاهتمامات الأمريكية فحينها تصدرت الإصلاحات الانتخابية وحملات مكافحة الفساد اهتمام الولايات المتحدة كجزء من المخطط الكبير الذي وضعته إدارة بوش لإرساء الديمقراطية في الشرق الأوسط، وكان ينظر وبشكل متزايد إلى الرئيس علي عبدالله صالح الذي كان جزءاً من الحل في القضاء على القاعدة كجزء من المشكلة في قضية الإصلاحات، وبالتالي تراجع الدعم الأمريكي لليمن إلى مستويات متدنية ومخجلة، ففي ظل غياب تهديد الإرهاب لم يعد اليمن يحظى بالأهمية” .
قد يكون من المفيد الإشارة هنا إلى ما أوجزته السفيرة الأمريكية السابقة في اليمن بربارا بودين في ختام محاضرة لها مطلع الأسبوع المنصرم بصنعاء حول “العلاقات اليمنية الأمريكية” حين قالت إن: “العلاقة بين أمريكا واليمن لم تكن متينة لأن كلا الجانبين لم يقم بما ينبغي القيام به في الوقت الذي وضعت فيه هذه العلاقة خلال السنوات الأخيرة في محاربة الإرهاب فقط” .
وإذا كانت هذه القضية ترتبط بالتغليب الأمريكي للجوانب الأمنية التي صارت عملية شاملة في عالمنا بأسره منذ أعقاب كارثة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول تحت مظلة الحرب على الإرهاب وتخوضها وتديرها الولايات المتحدة بدوافع حماية الأمن والمصالح الأمريكية، فإن إشكالية العلاقة اليمنية لا تعود إلى هذا المستجد الذي أصبح أزمة متفجرة، بل إن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على القيام بإدارة وإعادة إنتاج الأزمات كما كان الحال خلال عقود مديدة في عالمنا بأسره، وهي لا تلامس الأسباب للوصول إلى الحل الجذري للإرهاب وسياسة إطفاء الحرائق بأعواد الثقاب التي تتبعها تغذي المخاطر الإرهابية .
إشكالية العلاقات اليمنية الأمريكية تكمن في أن الجانب الأمريكي سيبقي صنعاء في النفق الاستخباري الذي كان بدأ من خلال النقطة الرابعة التي أقامتها المخابرات المركزية الأمريكية في اليمن ضمن شبكة في غير بلد من عالمنا .
في هذا السياق تتعامل الولايات المتحدة مع اليمن من حيث موقعه الاستراتيجي لكن مساعدتها له خلال العقود المنصرمة راوحت بين احتواء ما يجري في اليمن وبين إضعاف اليمن بالمزيد من استغلال ضعفه .
ما الذي تريده الولايات المتحدة من اليمن؟ وما الذي تريده باليمن؟ حين تصير الإجابة عن مثل هذه الأسئلة على تكهنات وألغاز يصير الحديث عن “علاقة كذبة”، وأكبر كذبة في العلاقة اليمنية الأمريكية تلك التي أطلقها السفير الأمريكي بصنعاء جيرالد فالرستاين حين استقبل منذ فترة وجيزة ممثلي تجارها الذين شكوا مصلحة الضرائب اليمنية لا الضرائب الأمريكية، وهو ما لا يكون إلا للمندوب السامي في حصن السفارة الأمريكية .
نقلاً عن الخليج الإماراتية