في مقيل أحد الأصدقاء كان أحدنا منهمكاً في قراءة صحيفة محلية فسأله أحد الحضور بخبث: إيش تقرأ يا حبوب سمّعـنا معك على الأقل إذا في شيء مهم..اعتذر الرجل بأدب عن القراءة بين المخزنين ثم وضع الصحيفة جانباً واتجه إلينا بسؤال فقع به مرارة الحاضرين قائلا:كنت أقرا خبراً مهماً جداً قالوا إنهم استقدموا خبراء سيغيرون (وجه اليمن) فـمن منكم يستطع أن يعرف إيش من خبراء هؤلاء؟؟ فقال أحد الموجودين: أكيد خبراء من (اليابان) لإقامة مصانع تجميع سيارات (تويوتا) من أجل أن نقوم بتجميعها هنا في اليمن بالمواصفات الأساسية غير المعقدة بدلا من استيرادها جاهزة.. خصوصا ذات الدفع الرباعي (الطقم) المناسبة للجيش والأمن والمواطنين في الأرياف وكافة المرافق الحكومية الدائمة الإهلاك وأيضا النوع الآخر المسمى (هاي لوكس) وسنكون أدخلنا تكنولوجيا ووفرنا فرص عمل وعلمنا شبابنا كيفية تجميع السيارات كبروفة أولى لإنتاج السيارة الوطنية مستقبلاً وهذا سيغير وجه اليمن بالتأكيد..
لكن شخصاً آخر قال: أعتقد أن الحكومة استقدمت خبراء لتدشين مشروع استراتيجي ضخم يتمثل في زراعة غابات كثيرة من أشجار زيت النخيل في المناطق الحارة لأن هناك عجز في الإنتاج العالمي مع تنامي الطلب.. ولدينا أراض شاسعة تمتد من (حرض) إلى (المهرة) مقاربة للمناخ الاستوائي المناسب لزراعة أشجار زيت النخيل.. وهذا سيوفر فرص عمل هائلة للعمالة اليمنية وسيدر علينا مليارات الدولارات.. مما يؤدي إلى تغـيير وجه الوطن بكل تأكيد..
لكن مخـّزناً آخر من طرف الديوان قال: لا هذا ولا ذاك أنا أعتقد أن الحكومة استقدمت خبراء لإقامة مصانع عملاقة للغزل والنسيج وصناعة الملابس الجاهزة في الحديدة وأبين لأن بلادنا قادرة على زراعة القطن في هذه المناطق بكميات صناعية ونحتاج فقط لإنشاء الحواجز المائية وقنوات الري التحويلية لأودية مثل (رماع وسهام وسردود وزبيد ومور وضمين ورسيان وغيرها) في تهامة وتوسيع زراعة القطن طويل التيلة في (أبين).. خصوصاً مع التوجيهات الأخيرة بإنشاء سد ضخم لحجز مياه وادي (حسان) وهذا سيخلق فرص عمل لمئات الآلاف من المواطنين وكذلك الاستفادة من زيت بذرة القطن المستخلصة من عملية الحلج للقطن ولدينا مصنع جاهز أنشأه الصينيون في منتصف السبعينات في الكيلو 18على طريق الحديدة صنعاء..
لكن شخصاً في صدر المجلس قال:أنا أعتقد أنهم خبراء لإقامة ورش بناء السفن في اليمن لصالح كوريا الجنوبية، التي تعاني تهديدات يومية بحرب كبيرة من شقيقتها الشمالية.. خصوصا وأن بناء السفن لا يحتاج إلى عمالة ماهرة جداً وهذا مناسب لعمالة اليمن وأيضا للكوريين لأن العامل اليمني أجره زهيد بالمقارنة مع العامل الكوري الجنوبي.. وهذا سيوفر فرص عمل كبيرة لعمالنا وتعلم مهارات جديدة والتعامل مع تكنولوجيا حديثة في اللحام وبناء السفن الكبيرة وبقية خدماتها.
شخص بدين القامة في الزاوية قال: أنا أعتقد أن هؤلاء خبراء في زراعة القمح لتأمين الأمن الغذائي للوطن..نظراً لارتفاع أسعار القمح عالمياً باستمرار.. وهذا سيجعل اليمن أحد المصدرين الرئيسين للقمح كما فعلت (سورية) وسيفتح فرص عمل بالآلاف أمام العمالة.. وبالتأكيد سيغير وجه اليمن..
أحد الشبان قال: أكيد خبراء لإقامة مدارس خاصة بالمخترعين في المدن الرئيسية بميزانيات مفتوحة وتنفيذ التجارب الأولية لها وتصنيع مبتكراتهم بشكل تجاري وإخراجها إلى الواقع العملي.. خصوصا بعد نجاح المعرض الأول للمخترعين اليمنيين في عدن..
أما الأستاذ/ عبدالله ـ وكان آخر المتحدثين فقد توقع أن الخبراء لإقامة مراكز تدريب عالية التجهيزات والكفاءة لتعليم شبابنا تصنيع الآلات الصناعية والزراعية والبحرية والكهربائيات والالكترونيات والسيارات والأسلحة والذخائر والهندسة المعمارية والمدنية والإنشاءات وتخطيط المدن والطرقات وكافة أوجه ومتطلبات الحياة العصرية وبحيث تعطي نهضة تنموية شاملة أساسها الإنسان المؤهل، وكذلك تصدير عمالة مؤهلة إلى السوق الخليجية التي تريد استبدال العمالة الأجنبية بعمالة عربية بعد أن استشعرت مؤخراً خطر العمالة الأجنبية على الهوية العربية للخليج..
لكن أخانا (الخبيث) بسؤاله ـ بعد أن رأى الجميع يغردون في أحلام وأمنيات فوق مستوى تفكير (القواعد من الرجال) في الحكومة إلا ما رحم ربي ـ انفجر ضاحكاً وقال: الخبراء الذين جاؤا يقودهم (سعدان) لتدريب منتخب اليمن كيف يزبطوا( الطبة) ولا ندري لماذا لا نستفيد من المدربين الوطنيين.. وهي في الأخير مجرد كورة ولهو لا تبني وطناً ولا ترفع علماً، حيث ولدينا مئآت المدربين الوطنين وبكفاءات رائعة.. ولعل (النعاش والسنيني وجمال حمد ي وشرف محفوظ وابوبكر الماس ومجذر وعتيق والقادري والمجيدي والعمقي وفيصل أسعد وعمر البارك وعزام خليفة والناظري ونبيل مكرم وأبو علي غالب وعبدالواحد عتيق وأمثالهم) قادرون على العطاء والتفوق بأكثر من الأجنبي إذا ما وجدوا ربع الامتيازات التي يحظى به المدرب الأجنبي..
لكن يبدو أن (تيس) القرية لا يصلح للتلقيح ولا بد من (تيس) غريب.. ولو كانوا جاؤا لنا بخبراء وفنيين لمعهد (هواري بومدين) الذي يحتضر اليوم في منطقة (صبر) محافظة لحج لكان أشرف وأكرم لهذه الحكومة غير المسؤولة ولوزارة الشباب البعيدة عن اهتمام الشباب وحاجاتهم الحقيقية حيث وهذا المعهد تخرج منه الآف المهندسين والفنيين الذين أفادوا وطنهم بما تعلموه فيه وليس بما زبطوه من كورة.. لكن الحكومة تريد تغيير وجه اليمن وتجعله أسوداً مظلما بـ(الطبة) والرقص والغناء بعد أن سحبت الجواز(الدبلوماسي) من شخصية سياسية مخضرمة وقنصل سابق بحجم وقامة وفكر الأستاذ/ عبد الله سلام الحكيمي.. لتعطيه لمغـنية لـ(ترفع) به اسم اليمن عاليا فوق الأكتاف في السهرات ولا حول ولا قوة فلا بالله.
آخر السطور :
إلى إبني (نجم الخليج) في الغناء أنت بعمر إبني (إبراهيم) "28" سنة الذي يحضر الماجستير بالصين في الكهرباء الالكترونية والتحكم الآلي.. وقد قرأت لك مقابلة في صحيفة محلية قلت: إنك ستتابع دراسة الموسيقى في الخارج لترفع اسم اليمن عالياً.. والحقيقة يا ابني نحيي فيك أولاً هذا الشعور الوطني من حيث المبدأ، لكن يا إبني وحبيبي.. الغناء والطرب مجرد مرحلة عمرية عابرة وليست غاية مصير في الحياة حتى تـفرغ حياتك لها فأنت صاحب صوت جميل الآن لكنه غير مضمون لأنه مرهون بمرحلة عمرية معينة فقط لذلك أنصحك بإخلاص وغيرة على شبابك وحسك الوطني الرائع.. إن اسم اليمن يرتفع عالياً بالبناء وليس بالغناء وبالمخترعين وليس المبترعين والاستفادة من تجارب الآخرين ونقلها وليس بالرياضة والكورة وزبطها،إن المستفيد الوحيد من هذه المسابقات غير المفيدة هم أصحاب شركات الاتصالات المحمولة الذين ربح كل واحد منهم في المتوسط أكثر من مليون دولار في هذه اللعبة غير الوطنية التي استغلوا فيها العواطف الجياشة للمواطنين وحاجتهم للفرح ولو بالغناء وليس الاختراع والعلوم والابتكار..
اسم اليمن يرتفع عالياً بمثل المخترع (خالد نشوان) والبروفيسور ـ مصطفى العبسي ـ في أميركا وقائد البحوث العلمية في الهندسة التطبيقية البروفيسور (حبيب سروري) في جامعة روان في فرنسا والدكتور/ أحمد الصياد في منظمة (اليونسكو) وجراح القلب الشهير البروفيسور/ على الربوعي ـ في ألمانيا وجراح العمود الفقري الشهير/ خليل الزريقي ـ في القاهرة وصنعاء وأمثالهم كثر في بقية المجالات العلمية والمهنية ـ ولو كان الغناء يفيد صاحبه لكان أفاد الفنان الكبير/ أيوب طارش عبسي وأمثاله الكبار في عطائهم وحبهم لوطنهم..
أتمنى أن تستغل ما حصلت عليه من مبالغ مالية في تأهيل عقلك علمياً وعملياً في أي جامعة متخصصة وبذلك فقط سترفع اسم اليمن عالياً وسنرفعك نحن على رؤوسنا . ولك كل الحب والتوفيق والنجاح يا إبني.. ولحكومة الفضائح والنكبات نقول لهم مبروك (فعلتكم) الجديدة فاليوم (سعدان) وغدا .... -الله يستر- وما ذلك منكم بغريب.
??
محمد بن راوح الشيباني
إذا غضب الله على قوم.. سلبهم عقولهم 2631