تبدو الصورة للمراقب الخارجي وكأن العالم كله يستشعر الأخطار التي تحيق باليمن أكثر من اليمنيين أنفسهم. هذه الصورة -بالطبع- غير حقيقية وهي ناتجة عن شعور اليمنيين بالغيظ من عالم لم يكترث بأزماتهم إلا بعد أن استوطنت القاعدة في بلادهم.
ومما يثير حنق اليمنيين أكثر، أن الغرب جعل من إرهاب القاعدة العنوان الرئيسي لمشاكل اليمن رغم أن القاعدة لم توجد إلا بسبب الأزمات الأخرى. صديق يمني شبه حالة تعاطي العالم مع مشاكل اليمن بقيام أحدهم بأخذ صديقه المريض للطبيب لا رغبة في شفائه بل كي لا يصيب الآخرين بالعدوى.
رزمة الأزمات التي تأخذ بالخناق اليمني متنوعة لدرجة أن تحديد أيها أولى بالمعالجة قبل غيره مهمة في غاية الصعوبة. هناك التحدي الأمني الذي يمثله الحوثيون والحراك الجنوبي فضلا عن القاعدة، دون أن ننسى بالطبع تنامي نفوذ شيوخ القبائل وانتشار السلاح.
وهناك التحدي الاقتصادي الذي لا يقل، بل ربما يتفوق على التحدي الأمني. فاليمن يعاني من تراجع حاد في مداخيله النفطية، بل ويتوقع نضوب النفط تماما خلال أقل من عقد واحد. ويترافق تراجع الدخل هذا مع فقر وبطالة خانقة وصلت نسبتها إلى 40% من قوى العمل.
ويزيد الأمر سوءاً أن مشاكل اليمن لم تتوقف عند توفير الرعاية لشعبه. إذ إن هناك مشكلة إعالة مئات الآلاف من اللاجئين الأفارقة الذين شكلوا صداعا حقيقيا لصنعاء بعد تغلغلهم في نسيج المجتمع اليمني. إذ امتهن بعضهم السرقة والدعارة بل ووصل الحال ببعضهم الآخر للعمل كمرتزقة يحملون السلاح في صفوف الحوثيين والقاعدة.
هذه التحديات تجعل من الحديث عن مواضيع حيوية كإصلاح التعليم أو دعم المزارعين أو محاربة الفساد ترفا ليس من المنطقي، حتى، البحث فيه في ظل وجود الملفات الساخنة الأخرى.
كمراقب خارجي وكمحب لليمن وخائف عليه ومنه، لو كنت في موقع تقديم المشورة لليمنيين لجعلت من قضية معالجة النقص الحاد في المياه هي القضية التي أحشد لها جميع موارد الدعم وسأستغل كل منصة تتاح لي لطلب العون في حلها.
مشكلة المياه تواجه اليمن بشكل كارثي، لدرجة توقع أن تكون السيطرة على موارد المياه أحد أهم أسباب الصراع بين القبائل اليمنية المختلفة. أما في صنعاء فإن الدراسة التي أجرتها مؤسسة كارنيجي للسلام تقول صراحة إن "صنعاء ستكون أول عاصمة تنضب فيها المياه في عصرنا الحالي".
من بين قائمة طويلة جدا تشمل الملفات الصعبة التي تواجه اليمن، يبرز ملف المياه، في رأيي، كملف يتعين أن يحظى بالأولوية القصوى في المعالجة فهو- دون شك- يمثل تحديا وجوديا حقيقيا لليمنيين.
نقلاً عن جريدة الرياض
طارق محمد الناصر
أم الأزمات في اليمن 1423