(أعلنت اللجنة الإنتخابية المستقلة فوز "الحسن وتارا" في الإنتخابات الرئاسية العاجية خلال جولتها الثانية، بحصوله على نسبة 54,1 في المائة من الأصوات ، لكن المجلس الدستوري ـ أعلى هيئة قانونية في ساحل العاج ـ ألغى هذه النتيجة، وأعلن فوز الرئيس المنتهية ولايته " لوران غباغبو" بنسبة 51,45 في المائة من الأصوات).
انتخابات طال انتظارها في ساحل العاج، أجلت 6 مرات منذ العام 2005، كان الأمل منها إعادة توحيد البلاد المقسمة واقعياً ـ موحدة شكلياً ـ منذ العام 2002/2003، عندما حصل انقلاب فاشل ضد الرئيس حينها "لوران غباغبو" ، نعم انقلاب فاشل، ولكن سيطر المتمردون ـ الآن يسمون أنفسهم بالقوات الجديدة ويساندون "الحسن وتارا" ـ على شمال البلاد الذي يقطنه غالبية مسلمة، وبقي الجنوب الذي تقطنه أغلبية مسيحية تحت حكم الرئيس الشرعي حينها " لوران غباغبو".
هذه الانتخابات أفرزت رئيسين؟ الأول هو " لوران غباغبو " الذي يحظى بدعم المجلس الدستوري وكذا المؤسسة العسكرية، أما الرئيس الأخر فهو "الحسن وتارا" الذي يحظى بدعم إقليمي وقاري ودولي، وكلاهما أدى القسم وشكل الحكومة الخاصة به، إذ كليهما يعتبر نفسه الرئيس المنتخب والشرعي لساحل العاج.
وبالرغم من دعوة "غباغبو" من أجل الدخول في مفاوضات لإنهاء الأزمة التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية إلا أن أنصار "الحسن وتارا" يرفضون الدخول في اي تسوية قبل تنحي الرئيس المنتهية ولايته " لوران غباغبو".
إن استمرار الانسداد السياسي في ساحل العاج من خلال تمسك كل طرف بمواقفه، سيجر البلد حسب اعتقادي، إلى صدامات دموية، ومستقبل قاتم، خاصة أنه في الأيام القليلة الماضية حدثت أعمال شغب ومواجهات متفرقة بين أنصار الجانبين، أفرزت قتلى وجرحى من كلا الطرفين وبدت ملامح انعدام الاستقرار التي قد تأذن لبداية مجازر جديدة بين المسلمين والمسيحيين، خاصة وأن "الحسن وتارا" أول زعيم مسلم يكون رئيساً لساحل العاج، كون جميع الرؤساء السابقين في هذه الجمهورية ـ التي استقلت في عام 1960 من الاستعمار الفرنسي ـ هم من جنوب البلاد ومسيحيين، بداية من مؤسس الدولة العاجية "هوفيه بوانييه" مروراً ب" كونان بيديه" إلى " روبرت جيه" وأخيراً الرئيس المنتهية ولايته " لوران غباغبو".
إذا التمسك بالسلطة من قبل "لوران غباغبو" وأنصاره لن يؤدي إلا لتحول هذا الأخير وزمرته إلى متمردين، فالمجتمع الدولي يرى أن "الحسن وتارا" هو الرابح في الانتخابات الرئاسية وبالتالي هو الرئيس الشرعي ولن يتعامل إلا معه، ولقد ظهر هذا الموقف جلياً من خلال الآتي:
مبعوث الأمم المتحدة الى ساحل العاج" يونج جين شوي" يؤكد أن الانتخابات جرت في أجواء ديمقراطية بشكل عام، موضحاً انه حتى إذا أخذت في الاعتبار المخالفات المفترضة فان النتيجة لن تتغير، ورأى ان قرار المجلس الدستوري ليس له أساس واقعي..
أما الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، فقد بعث بالتهنئة إلى وتارا بمناسبة فوزه وطلب منه العمل من أجل إحلال سلام دائم واستقرار ومصالحة في ساحل العاج، كما دعا "غباغبو" إلى أن يفعل ما يجب أن يفعله لخير بلاده والتعاون من أجل عملية انتقالية سياسية بدون صدامات.
كذلك مجلس الأمن الدولي، دان كل جهد يبذل للإطاحة بإرادة الشعب، في تحذير واضح إلى الرئيس المنتهية ولايته، "لوران غباغبو"، كما لوَّح بعقوبات ضد كل مَن يهدد عملية السلام في ساحل العاج..
بينما هنأ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية "باراك أوباما " "الحسن وتارا" بـمناسبة فوزه ودعا "غباغبو" إلى الاعتراف بنتيجة الاقتراع واحترامها، أما غير ذلك فإن الولايات المتحدة كما جاء على لسان "جوني كارسون" مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية، ستؤيد فرض عقوبات على "غباغبو" وعائلته والذين يدعمون وضعه غير القانوني .
من جانبه طلب الرئيس الفرنسي " نيكولا ساركوزي" من "غباغبو" احترام إرادة الشعب، وعمل على تهنئة "الحسن وتارا"..
فيما الاتحاد الأوروبي، فرض عقوبات على " لوران غباغبو" تحرمه من إمكانية الحصول على تأشيرة دخول بلدان الاتحاد الأوروبي وتجمد أصوله المالية. هذه العقوبات تطال أيضا كل من يعرقل مسار المصالحة الوطنية في ساحل العاج، لا سيما الذين لا يحترمون نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
كذلك أعلن المدير العام لصندوق النقد الدولي" دومينيك ستروس" أن مؤسسته لن تتعامل مع حكومة في ساحل العاج لا تعترف بها الأمم المتحدة مثل حكومة "لوران جباجبو".
أما الإتحاد الإفريقي، فقد علق عضوية ساحل العاج، وأن هذا التعليق سيظل سارياً حتى الاعتراف ب"الحسن وتارا" رئيساً دون منازع.
من جانبها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا(ايكواس) دعت " غباغبو" من أجل قبول النتائج التي منحت الفوز لزعيم المعارضة "الحسن واتار"، وعملت على تعليق عضوية ساحل العاج بالمجموعة.
من خلال ماسبق يتضح أن هناك ضغط إقليمي وقاري ودولي على " لوران غباغبو" وكل من يسانده الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف حسب اعتقادي إلى أن يكف أنصار " غباغبو" عن تمردهم وينضموا إلى "الحسن وتارا" مثلما حدث وأنضم المتمردون للحكومة في مارس من العام 2007 حيث قام الرئيس حينها "لوران غباغبو" بتعين "غيوم صورو" زعيم المتمردين في منصب رئيس الوزراء حسب ما نصت عليه اتفاقات واغادوغو ببوركينافاسو.
الجدير ذكره في هذا المقام أنه يوجد في ساحل العاج 62 إثنية، ولكن خطر العامل الديني هو الأكبر كون الاستعمار الفرنسي عمل على التمييز بين المواطنين على أسس دينية حيث سمح لأبناء القبائل المسيحية والوثنية باستكمال تعليمهم في فرنسا، وتبوء الوظائف في البلاد مقابل حرمان المسلمين منها، وكانت تكافئ كل من يرتد عن الإسلام بمنحه الجنسية الفرنسية.
ولقد عمل مؤسس الدولة العاجية " هوفيه بوانييه" على تكريس هذا التمايز الديني، من خلال قسمه أمام بابا الفاتيكان على جعل ساحل العاج تحت راية الصليب ....كما أعلن يوم الأحد وأيام الأعياد الكاثوليكية عطلات رسمية، ورفض الاعتراف بعطلة الجمعة والأعياد الإسلامية، هذا بالرغم من أن المسلمين يشكلون 65 في المائة من إجمالي السكان ،كما أن التمايز الديني ظل قائماً أثناء حكم كل من " كونان بيديه" و" روبرت جيه" والرئيس المنتهيه ولايته " لوران غباغبو".
حيث أنه عندما توفى "هوفيه بوانيه" مؤسس الدولة العاجية في العام 1993 احتدم التنافس على رئاسة الدولة بين " كونان بيديه" و" الحسن وتارا" الأمر الذي كان سبباً في اندلاع الصراع بين مسلمي الشمال ومسيحيي الجنوب، فقد عمل "كونان بيديه" على استبعاد المعارضة الشمالية من كافة المناصب السياسية، كما قام بتعديل الدستور لينص في المادة 35 على ضرورة أن ينتمي مرشح الرئاسة لأبوين عاجيين من أجل استبعاد " الحسن وترا" الذي ينتمي لأب من أصول بوركينية وأم عاجية، بعد ماكان النص الأصلي يؤكد على أن يكون المرشح لرئاسة الدولة ينتمي لأب أو أم عاجية فقط بما يتماشى مع الأعراف الإفريقية.
إن العامل الديني، العرقي، الحدود الموروثة عن الإستعمار، الفقر، انتهاك حقوق الإنسان، المساعدات الإنسانية، محاربة القاعدة ..... كلها أدوات تستخدمها الدول الصناعية وشركاتها من أجل التدخل في دول القارة الإفريقية وبالخصوص جنوب الصحراء لنهب ثرواتها الطبيعية، وهذا أمر طبيعي مادام القادة الأفارقة يقدمون مصالحهم الشخصية على مصلحة شعوبهم، فمن أجل الكرسي يهون شعب بأكمله.
وإذا كان في ساحل العاج العامل الديني هو وقود النزاع الأول ، فالعامل العرقي في بلدان أخرى مثل رواندا، بورندي، كينيا، الكونغو الديمقراطية هو وقود النزاع الأول، أما في منطقة القرن الإفريقي فالحدود هي عامل النزاع الأول مثل الحرب التي وقعت بين أثيوبيا وأريتريا على منطقة بادمي، وكذا النزاع على إقليم الأوغادين بين الصومال وأثيوبيا، وعلى إقليم أفند بين كينيا والصومال، وعلى رأس دوميرة بين أريتريا وجيبوتي ...
للتذكير فقط، تعتبر ساحل العاج الدولة الأولى في إنتاج الكاكاو على الصعيد العالمي، ولديها ثروات طبيعية أخرى كالبن، الخشب ، المطاط، القطن، الموز، الأناناس، زيت النخيل، وإمكانات واعدة في مجالات النفط، الحديد، الماس، الذهب.
* باحث دكتوراه بجامعة الجزائر
مختص في شؤون القرن الإفريقي والبحيرات العظمى
علي حسن الخولاني
ما لا نعرفه عن انتخابات ساحل العاج 3238