لم يكن أحد ليتصوّر أن وثائق سرية تتسرب من أكبر خزينة أسرار في العالم لتصدم مواطني مختلف دوله بحقيقة علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بأصدقائها وأعدائها معاً.
الكم الهائل من الوثائق التي نشرها موقع "ويكيليكس" أظهر أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع كافة دول العالم وكأنها مقاطعات أو ولايات تابعة لها، لكن الغريب أن هذا السيل الهائل من الوثائق لم يصل إلى إسرائيل ولن يصلها، وكأن صاحب الموقع اختار تحاشي غضب الدولة العبرية فجعلها بعيدة عن مرمى نيران وثائقه التي لم تترك حبيباً ولا عدواً.
لقد كشفت الوثائق التي نشرها موقع "ويكيليكس" عن صور متناقضة عن علاقات تربط أمريكا بأصدقائها وحلفائها؛ فعشرات الآلاف من الوثائق المنشورة في الموقع أوضحت أن الولايات المتحدة تلعب دور الشرطي والسجان، القاضي والجلاد معاَ، وهي لا تعترف بصداقات دول ولا رؤساء، فالكل عندها في درجة واحدة في المعاملة ماعدا إسرائيل التي تبدو صاحبة الحظوة الكبيرة لديها، حتى تشعر أحياناً وكأنها هي مهندسة العلاقات وليست أمريكا.
وفي هذه الحالة، تتحول وثائق "ويكيليكس" التي أغرقت العالم إلى ما يشبه أوراق الـ"كلينيكس" عديمة الجدوى طالما أنها تبتعد عن إسرائيل، وهي إلى جانب الولايات المتحدة مصدر الشرور في العالم كله، فمن ذا الذي لا يعرف طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل؟ ومن ذا الذي لا يدرك أن معظم الطبخات السياسية يجري تحضيرها في المطبخ المشترك بين الدولتين؟
سيصدق الناس ما هو في الوثائق إذا ما نشر "ويكيليكس" ما يتصل بإسرائيل، أما غير ذلك فإن مصداقية هذه الوثائق على المحك، لكن لا يعني ذلك أن الوثائق لم تكشف حقيقة الأنظمة التي تتعاون مع واشنطن، صحيح أن مثل هذه الوثائق تكشف عن توجهات سياسية لحكام الدول تختلف عما هو سائد من انطباعات لدى مواطنيها، إلا أن هذا السيل من الوثائق حوّل بعضها إلى عديمة القيمة، خاصة وأنها جاءت لتكشف جانباً من الصورة وليست الصورة كلها.
المنشور من الوثائق أعاد إلى الأذهان طبيعة العلاقة التي يعرفها الجميع بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم، هي في الأصل علاقات غير متكافئة، لكنها تمتاز بخبث أمريكي لا نظير له، وإن كانت لا تعفي مسؤولية الأنظمة التي تتعامل مع الولايات المتحدة كأنها ولي أمر العالم.
بقدر ما فضحت وثائق "ويكيليكس" حقيقة علاقة أمريكا ببقية دول العالم وأنظمتها؛ فإننا لن نجد من لديه الشجاعة أن يشرح حقيقة ارتباطات هذه الأنظمة مع الولايات المتحدة، فهذه الأنظمة لا تزال تعتقد بأن تنازلاتها لأمريكا هي بوابة العبور لبقائها واستمرارها.
عن السياسية
صادق ناشر
كلينيكس ال ويكيليكس!! 2446