الأمل ذلك الشعور الجميل في غدٍ أفضل والقوة الخفية التي يستلهمها الفرد للصمود أمام إخفاقات الحاضر وآلامه، ما أحوجنا الآن إليه ونحن نعيش في عالم كثرت سلبيته وطغت على كل جميل وتفاوتت درجاته من بلد إلى آخر حتى أصبحت سمة لهذا العصر وهذا القرن من الزمان.
وحالنا لا يختلف عن كثير من هذه الدول إن لم يكن أسوأ خاصة إذا علمنا أن بلدنا تعد ضمن التسع دول الموصوفة بالأشد فساداً والوضع الاجتماعي وصل فيها إلى ما يوصف بالأكثر خطورة.
فمظاهر الفساد الذي شل كل أوجه حياة هذا الشعب نجح في نزع الأمل من قلوب الكثير إن لم يكن الكل صغيراً وكبيراً، محولاً هذا المجتمع إلى قوة ناقمة على نفسها وعلى غيرها ومستعدة لهد المعبد على الجميع، بيئة وجدت فيها قوى الشر المتربصة بهذا الوطن الفرصة سائحة للإجهاز عليه لتحقيق أهداف طالما كانت تحلم بها وتنصدم بحب أبناء هذا الشعب لوطنه.. لن نضيع الوقت في البحث عن أسباب هذا التحول لدى عامة الناس، فالسبب لا يخفى على ذي عقل ولكن تلخصها في ثلاثة ظواهر:
1ـ تهميش وتغريب الكفاءات عن قصد وتقديم الولاءات عليها.
2ـ كبت الحريات الفردية والفكرية وتشجيع النعرات الطائفية والحزبية والعرقية.
3ـ غياب العدالة الاجتماعية والمساواة بين شرائح المجتمع المختلفة وضياع حق الأقليات والضعفاء لصالح الشرائح المتنفذة.
وحتى نستدرك الأمر قبل أن يصل إلى خط ألا رجعة ويدخل في مجال الدائرة المفرغة، فلا يعرف سببه ولا يمكن معرفة نتائجه ـ لابد من إيقاف هذا التدهور عن طريق معالجة أسبابه وتحقيق العدل والحرية والمساواة بين أفراد هذا الوطن والقضاء على أوجه الفساد المختلفة.
وحتى لا يأتي ذلك الوقت والذي لا نراه بعيداً لغياب النية الصادقة ولعدم اعتراف المتسبب في ذلك بخطأه ومحاولة تحميل غيره ما يحدث، معتبراً أن ظاهرة الفقر هي ظاهرة عالمية تصيب العالم كله، حالها مثل حال الفساد الذي لا يخلوا منه أي نظام، حتى تلك التي قد تخطت أشواطاً كبيرة في مجال الحضارة الإنسانية وأي رد فعل مبالغ فيه وتذكيه أيادٍ خفية طامعة لا يهمها لا الوطن ولا المواطن.
ولكي لا يأتي ذلك الوقت ترى كيف يمكن حماية هذا الوطن ومواطنيه؟.. هنا يأتي دور العقلاء من محبي هذا الوطن من علماء وخطباء ومثقفين في إعادة زراعة الأمل في النفوس المحطمة، الأمل التي فطن الكثير من المهتمين إلى دوره بتمكين النفس البشرية في النهوض التنموي الكبير والحفاظ على الاستقرار والتوازن الداخلي لهذه النفس، حتى أصبح فناً وحرفة يرتبط اتقانها بدرجة نجاح المربي والمدرب النفسي وقد فطن لهذا الكثير من المفكرين والمهتمين بسلوكيات النفس البشرية ووجدوا أن هناك علاقة وثيقة ما بين هذه القوة الخفية وما بين درجة النجاح التي يحققها الفرد في حياته ووجدوا أن كثيراً من العظماء في مختلف العصور والذين كانت لهم بصمة خالدة بما حققوه من تميز ـ قد مارسوا وتخلقوا بهذه القوة، رغم عدم امتلاك بعضهم أي صفات خارقة، بل إن معظمهم كانوا من عوام الناس ومحدودي المهارات.
وأطلقوا على هذه القوة الخفية والمضمونة النتائج اسم السر والقائم على قانون الجذب والذي ينص على أن الأفكار الايجابية تجذب الأشياء الايجابية والأفكار السلبية تجذب إليها الأحداث المشينة.
معتبرين أن العقل هو القوة والمصدر لهذه الأفكار والذي يولد في نفس الوقت ثروات كهرومغناطيسية مرادفة لهذه الأفكار تتناسب شدتها مع درجة خطورتها في تفكير الفرد ودرجة إيمانه بقدرته على تحقيقها، هذا الجهد الكهرومغناطيسي الناتج عن هذه الأفكار سواءً إيجابياً أو سلبياً يعمل كمغناطيس يقوم بجذب الرغبات أو الانعكاسات المادية لهذه الأفكار إلى حيز الوجود عن طريق تفاعله مع قوى الكون المختلفة ومعيار إيجابية الأفكار أو سلبيتها ينعكس على الحالة النفسية للفرد، فالأفكار الإيجابية تولد شعور بالرضى والسعادة والطمأنينة أو الحب في أكمل صورها، أما الأفكار السلبية فتولد شعوراًً بالحزن والألم والخوف والقلق والحسد والحقد الانتقام في أبلغها.
فالإنسان عندما يفكر في النجاح، الثروة ، الصحة أتيه النجاح والصحة ويعتمد بمحافظته عليها على استمرار بقاء تفكيره فيها "قانون الجذب"، وعندما يفكر في الفشل والفقر والمرض ـ يأتيه الفشل والفقر والمرض مادامت هذه هي أفكاره وتكون مشاعره مليئة بالحزن والألم.
ويدللون على صحة نظريتهم هذه بكونها قانوناً طبيعياً من قوانين الكون التي لا تتبدل وصالحة لكل فرد في أي زمان ومكان.
والنظرية الأخرى أن مقدار الطاقة المنبعثة من أي جسم لا تعتمد بالضرورة على حجمه بالقدر الذي تعتمد فيه على درجة التوتر فيه "النظرية النسبية" ومن هذا المنطلق كلما كانت الأفكار محدودة وشديدة الوضوح في عقل ووجدان صاحبها ليل نهار يحدد درجتها ونوعها بالحالة النفسية إيجابية راحة..... حب، سلبية حزن.......كراهية.
كلما كان التردد الناتج عنها شديداً وقوة الجذب المتولدة كبيرة قادرة على جذب أهدافها والتي هي إبقائها بحالتها الكهرومغناطيسية باعتبارها صوراً من صور الطاقة سواءً كانت مالاً أو سيارة.
والمطلوب من الفرد فقط أن يجدد ما يريد ويقول أريد كذا وكذا.. ويغمض عينيه ويستمع لهذه الرغبات من مجرد تفكيره فيها وكأنها موجودة ويستمتع بالشعور الجميل الناتج عن تحقيقها ولا يحمل نفسه العبء في التفكير كيف ومتى ستتحقق، لأنها ستحقق 100% بعد ساعة أو يوم أو أيام، خلال فترة قد تطول أو تقتصر، لكنها ستتحقق هذه الحقيقة التي ليس فيها شك.
أما كيف فلا يجهد الفرد نفسه بالتفكير ولا يحاول أن يقوم بأي عمل ليحقق هذه الأهداف دون أن يكون له أي فضل ودون بذل أي جهد مميز، لأن هذه القوى ستجذبه معها وتدفعه إلى أعلى وأعلى كما هو حال من يسبح في نهر مع التيار.
أما عندما يشعر أنه يبذل جهداً وأن هناك عناءً يعود عليه من عمله فليعلم أن هذا الطريق لن يوصله إلى أهدافه حاله مثل من يسبح ضد التيار، فرغم الجهد الكبير الذي يبذله، إلا أنه يراوح مكانة.
وحتى تحقيق هذه الرغبات والتي لاشك في ذلك على الإنسان أن يستمتع بالشعور الجميل الناتج عن تحققها ويعيش الحلم بلهجة لسانه وحواسه، بالامتنان والشكر من الآن باستشعار ما هو موجود محقق في حياته الآن ولما سوف يتحقق، لأن شعور الامتنان والحمد يولد قوة إضافية لاستمرار وتحقيق المزيد.
إنه سر عظيم ووصفة مضمونة 100% لتحقيق الرغبات مهما قال فيها أعداؤها ، فما أروع أن يشغل الإنسان نفسه بالأفكار الايجابية النابعة من ثقته في الله خالقه ومن قدرته على تحقيق كل ما يريد ويستمتع بالمشاعر الطيبة التي تنتج عنها سعادة ورضى وحباً لنفسه ومن حوله ولساناً شاكراً لكل النعم التي لديه من صحة، علم.. وطمع في المزيد الذي يتطلب شكراً وحمداً أكثر وأكثر.
وينطلق كل إنسان إلى ممارسة ما يحب ويستمتع بذلك، لأنه طريقه الخاص والمناسب لتحقيق أحلامه بدل التنافس والتزاحم على أعمال معينة اعتقاداً منا أنها الوسيلة لتحقيق الأحلام، لأنها نجحت مع غيرنا.
إن هذا السر هو غاية الإيمان بالله سبحانه وتعالى وثمرة هذا الإيمان عندما يقر ويستقر في النفس، فمن خلقك قد تكفل برزقك وصحتك ومستقبلك وزودك بكل الوسائل التي تمكنك من تحقيق رغباتك وأنك لن تحقق ولن تبلغ أي شيء لم يكتبه الله لك، لأن وسائل وملكات تحقيقه ليست لديك، فلا تشقي حياتك في محاولة تحصيل ما لا جدوى منه.
"... والله لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير في السماء تروح خماصاً وتغدو يطاناً"
والكثرة في الرزق لا تأتي بقدر الجهد ونوع العمل بقدر ما تأتي بالتميز والإتقان فيه وحب الخير للآخرين والإحسان إليهم وتقديم الخدمة الكاملة لهم "ويرزقكم من حيث لا تحتسبوا".
إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه..
وهذا لا يكون إلا إذا عمل الإنسان ما يحب ويستمتع بما يعمل، لا أن يكون هدفه من العمل الرزق والعائد المادي لهذا العمل والذي لا يرى غيره في عمله، فيفقد حبه له واستمتاعه بوقته فيه وإخلاصه، لأن من يحب شيئاً يحب أن يعمله كل يوم ويجب أن يزيد ويحس فيه يوماً بعد يوم، ليصل إلى الكمال فيه.
وبقدر حبه وإخلاصه يكون العائد راحة نفسية ورضى ومالاً يدخل السعادة أكثر وأكثر في حياته.
لو استطعنا أن نغرس هذا التفكير الايجابي في نفوس أبنائنا وإخواننا ومن حولنا ـ نكون قد أدينا دورنا في نزع الأفكار السلبية والمشاعر الناتجة عنها والتي بلغت ذروتها في الشارع للأسف من حقد وكراهية لكل شيء، للنفس والإنسان والإنسانية، ناهيك عن الشجر والحجر، فذهبت إلى قتل الحياة في كل شيء عن طريق الانتحارات أو القتل الموجهة للآخرين إما كرد فعل عفوي أو عن سابق نية.
د. يحيى عبدالله راجح
صناعه الأمل 3906