إن الثقافة السكونية ليست ثقافة تقدمية وإن المستقبل المرتكز على مبدأ التجاوب مع متغيرات الحياة قلما تسهم هذه الثقافة في تشكيله والعكس ..فإن الثقافة الدينامية ترى أن
الإنطلاق والتغيير هو سنة الحياة وجوهرها في حين أن الثقافة السكونية تخشى أن تفقد شخصيتها وجوهرها الجامد وتخشى أن تكون عرضة للتعديلات والإضافة والتغير.. لذلك
فهي لا تتصل مع غيرها من الكيانات الثقافية الأخرى ..وهنا نجد اختلاف النظرة للمعرفة ..فالثقافة الدينامية لا تريد انحصار الفكر والعقل في بوتقة الماضي الضيق ولا تشجع
الانزواء والانطواء على الذات ..بينما الثقافة السكونية تنظر للمعرفة على أنها شيء ضيق .. فكيف إذن ستسهم هذه الثقافة السكونية الرجعية المنغلقة في تشكيل المستقبل
المتغير ؟!.
إن مورد المعلومات والمعرفة بدأ يحمل تأثيرات ملموسة على الاقتصاد العالمي .. فالمعلومات والمعرفة تسود معظم قطاعات الأنشطة الاقتصادية أي منتشرة ومستمرة في معظم
الأنشطة الرقمية وهذا مورد اقتصادي جديد يستدعي التجربة والمعرفة اللتين هما الأساس الذي ترتكز عليه الثقافة الدينامية كما يستدعى هذا المورد الاتصال بالآخر والتأثير والتأثر
.. فهو المورد الوحيد الذي لا ينضب ..وهذا المورد وغيره من الموارد التي تصنع المستقبل تحتاج إلى الخروج من النظرة الضيقة التي يتميز بها التكنوقراط وهي نظرة تمنع
الفكر من الانطلاق والتحليق لأنها نظرة محدودة تخضع لقواعد جامدة وقوالب محصورة ضيقة تتقولب فيها .
ويجب أن ننوه أننا ملك ماض مشرق وإن الحضارة العربية هي التي غذت الحضارة الأوروبية ورفدتها بكل مجالات العلم والمعرفة لكن للأسف فإن التكنوقراط والأصوليين
والرجعيين تمسكوا بالأوهام ولم يحاولوا الانفتاح على المستقبل مما فوّت على مجتمعاتنا العربية فرص الانشغال بالمستقبل كما حدث ذلك أبان الحكم الإمامي البائد وكما حدث ذلك
لدول عربية كثيرة خرجت منهكة ومتعبة من قيود الاستعمار الغربي لتجد نفسها مكبلة بقيود أعداء المستقبل الذين أرادوا المحافظة على مصالحهم على حساب التجريب والانطلاق
والتحليق في آفاق التغيير الواسعة .
فهناك إذن صراع شديد بين أعداء المستقبل وبين رواد الثقافة التقدمية وأن سيطرة أعداء المستقبل على الساحة العربية يعني نشوء واستمرار الوصاية على الفرد وعلى فكره..
فهو لا يستطيع القيام بعمليات مستمرة ومتواصلة للتغيير كما أن الأفكار الجديدة تفرض عليها فرضاً .. فالحركات الإبداعية تدور في قوالب أعداء المستقبل الجامدة .
لذا فإن المبدع يضطر إلى الحصول على الموافقة من الذين ينظرون للمستقبل على أنه ليس ساحة مفتوحة على مصراعيها بل إن مجالاً ضيقاً لابد أن يكون تحت المراقبة والتحكم
والوصاية ..ولذا فإن المستقبل بالتأكيد سوف يكون جامداً وعقيماً وضيقاً لأنه يصنع على أيدي الأخصائيين والمخططين الذين يفصلونه على مقاس القوة المسيطرة وأعداء المستقبل
ومما زاد الطين بلة أن الصراعات التي تحدث في دول عربيه كثيرة تحمل في طابعها النزعة نحو الأصولية الضيقة تحت ستار ديني مغلوط .. وإن دخول الفكر في ستار ديني
مغلوط يعمق المآسي والهزائم لتصبح الجروح أكثر آلاماً ووخزاً ، فحتى الماضي الذي ينزع إليه هؤلاء الرجعيون ليس هو الماضي المزهر الذي خلده التاريخ بل إن ما ينزعون إليه
إنما يهدف إلى تشويه الماضي وقلب كل ميازينه التاريخية لأن ثقافتهم السكونية خطره فهي ليست هادفة للمستقبل فقط بل إنها صادمة وهادمة للتاريخ وللماضي المزهر.
فالتغيير الذي يطلبه السكونيون فقط هو ذلك التغيير الذي يحقق أهدافهم ويتماشي معها وأن صور الماضي وقيمه وأفكاره لابد أن تعدّل وفقاً لمصالحهم الشخصية ..لذلك إذا حدث
تشويه للماضي والعبث بالتراث من قبل هؤلاء السكونييون فإن المستقبل سوف يكون مشوهاً معتوهاً ..فالأولى بالمجتمعات العربية أن تنتهج الثقافة الدينامية الشديدة التفرع
والتشعب تلك الثقافة التي تحفز على مشاركة الآخرين معارفهم وأفكارهم وتتيح للفرد حرية التعليم من كل المصادر ولا ننسى أن الحضارة الإسلامية أخذت جل علومها من الحضارة
البيزنطية والإغريقية والهندية ولم تمارس القطعية مع أي من الحضارات ..فالرغبة في المعرفة وتسخيرها من أجل الارتقاء هي أسس لابد من مزجها في ثقافتنا من أجل خلق جيل
ينشغل بصناعة المستقبل ..صناعة ثقافة تقدمية دينامية رحبة الأفق .
Doctorshabeeb@Yahoo.Com
شبيب غيلان المعمري
ثقافة الانشغال بالمستقبل 2365