البعض يقول أنه لا يوجد أي تنسيق بين تنظيم القاعدة والتمرد الحوثي ويستدل على قوله بالأحداث الأخيرة التي وقعت بين الطرفين في محافظتي صعدة والجوف ،لكن ما يجهله الكثير عن التوقيت الزمني للخلاف الحوثي القاعدي والتصفيات المتبادلة بين الطرفين ، دون حدوث أي مواجهات سابقة خلال الست السنوات الماضية .
فالتحليلات السطحية ومجرد التخمين لما يجري اليوم في المحافظات الحدودية للأسف يوصلنا إلى استنتاجات خاطئة تخدم الطرفين على الأقل أو محافظات "اللادولة" ،كما يجب أن نسميها وحالها خلال السنوات الماضية وحتى اليوم وربطها مباشرة بخطط وبرامج كلا من تنظيمي القاعدة والتمرد الحوثي وعلاقة المخابرات الأمريكية اللوجستية بالطرفين ،بعيداً عن التصريحات والإضافات الإعلامية وتغذية تلك الدراسات بالعديد من الوقائع والأحداث لوصلنا إلى إجابة شافية عن أسباب الخلاف والتصفيات التي ظهرت هذه الأيام بين القاعدة والحوثية !!.
أولاً المكان: حيث لا يختلف اثنان خاصة لمن قام بزيارة لتلك المحافظات وهي ( صعدة ، الجوف ، مأرب ، شبوة) أن تواجد الدولة فيها لا يمثل ما نسبته 15% مقارنة بتواجدها في بقية المحافظات ، سواء من حيث التواجد الأمني أو الجانب الخدمي وهذا جعل من تلك المحافظات ملاذاً للقتلة والمجرمين في ثمانينات القرن الماضي، وأرضية خصبة للاختطافات في التسعينيات ومتارس وخنادق للجماعات الإرهابية والمتمردة خلال العشر السنوات الماضية حيث ،ظلت هذه المحافظات خلال السنوات الماضية من عمر الثورة اليمنية محرومة من الطرقات ، المدارس ، المستشفيات ، المياه والصرف الصحي ، الكهرباء وغيرها .
وظل المشائخ خلال تلك السنوات هم من يديروا شئونها وباسم الدولة ، حيث يتم تعيين المسؤولين فيها من أبناء المشائخ وخاصة فروع المكاتب التنفيذية والأمن ، ومثلما ظل أبناء صعدة خلال تلك السنوات تحت إمرة الإماميين وأذنابهم ، فإن أبناء الجوف ومأرب هم الآخرون يعتبرون الخروج من طاعة الشيخ جريمة كبرى لا علاج لها إلا بالقتل أو الهروب إلى محافظة أخرى .
وكذلك الحال بالنسبة للدوائر والمكاتب الحكومية التي ظلت خلال السنوات الماضية بقرة حلوب للمشائخ وأبنائهم ربما مقابل سكوتهم عن الدولة وحكومة صنعاء ، وأتذكر هنا موقف أثناء زيارتي إلى محافظة الجوف كانت وزارة الأشغال حينها تنفذ مشروع خط إسفلت يربط مديريات المحافظة وكان العمل في هذا المشروع يتوقف كل يوم أكثر من مرة من قبل مواطنين عاديين ، وبمطالب بسيطة ولا علاقة لها بوزارة الأشغال مثل شخص يريد درجة وظيفية وآخر يريد حفر بئر ماء وهكذا وعندما سألت أحدهم لماذا تعرقلون هذه المشاريع الخدمية رد بالقول : هذه طريق وإذا جاءت الطرق الإسفلتية جاءت الدولة ونحن لا نريدها !!.
المهم هذا نموذجاً لحال تلك المحافظات خلال السنوات الماضية وكذلك هو الحال بالنسبة للأمن والمحافظة والوكلاء الذين لا يستطيعوا التنقل بحرية داخل مديريات تلك المحافظات وتنتهي حريتهم عند أسوار المجمع الحكومي .
هذا بالنسبة للأمن ومحافظي المحافظات أما مدراء المديريات فهم من أبناء المشائخ ، فالجندي لا يستطيع التنقل بمفرده وبالزي العسكري خاصة رجال الأمن في مديريات وقرى تلك المحافظات ، وجراء ذلك الوضع الذي تعاني منه تلك المحافظات فقد سعت المنظمات الإرهابية والعناصر الإجرامية والمتمردة لبناء نفسها وتمترساتها داخل مديريات تلك المحافظات وبموافقة العديد من مشائخ تلك المحافظات وربما مشاركتهم ، خاصة وأن تلك الجماعات تتخاطب بالعملات الصعبة والجماعة "متعودين على العملات الصعبة من زمان "، والسؤال إلى الآن هو أين الدور الأمريكي .
لكن لو رجعنا إلى تاريخ القاعدة ونشأتها ونشأة قياداتها لوجدناها أميركية بامتياز ، وتعد صناعة أميركية للقضاء على كافة القيم والتعاليم الإسلامية بحجة القاعدة والمتشددين ، السعي لإيقاف هذه التهمة على كل شخص ملتزم بتعاليم الدين الإسلامي ، وكذا تعد القاعدة ومحاربتها وسيلة أخرى لاستعمار الدول العربية من جديد تحت مسمى محاربة الإرهاب وعناصر القاعدة والمتطرفين ، فصارت ماما أميركا هي من يوصف ويصنف الآخرين / هذا بالقاعدة وهذا ليس من القاعدة ، مع العلم أن المخابرات الأمريكية ظلت خلال السنوات الماضية تتنقل بين محافظات اللادولة خلال السنوات الماضية تحت مسمى مهندسي وموظفي الشركات النفطية إلى جانب الزيارات الخاطفة التي يقوم بها سفراء الولايات المتحدة الأميركية لتلك المحافظات وفي مقدمتها محافظة مأرب ، هذا فيما يخص القاعدة والأمريكان .
وأما فيما يخص التمرد الحوثي فإن الموقف الأمريكي تجاه هذا التمرد واضح ولهذا لا يزال الحوثيون خارج تصنيف ماما أميركا للجماعات الإرهابية ، لكن السؤال الأهم هو لماذا هذا التوقيت لصراع القاعدة والحوثة ، فمما لاشك فيه أن زيارات السفير الأميركي الأخيرة لتلك المحافظات كان لها دور في ذلك ، ففي الوقت الذي أصبح التمرد الحوثي كيان يسيطر على محافظات صعدة ، الجوف ، عمران ويفاوض نظام صنعاء عبر الوسيط القطري وغيره ، في الوقت الذي هذا الأيام القيادة السياسية عينها على الإرهاب ومحاربته وفي مقدمته القاعدة ، رأت القيادات الحوثية أنها فرصتها الذهبية للتوسع شرقاً باتجاه محافظة مأرب وتجاوز مثلث الجوف صنعاء – مأرب من خلال البحث عن أنصار وموالين لها في مديريات مأرب للوصل إلى عرش بلقيس ، وآبار النفط ، وهو ما أدركته القاعدة وأنصارها هناك وسعت لصد ذلك التمرد الأثنى عشري الخبيث ، فكان الرد من الحوثة باحتجاز أحد عناصر القاعدة وتسليمه إلى الدولة ليأتي لارد سريعاً من قبل القاعدة بسلاحها المعتاد لكن هذه المرة ليس حزام بشري بل حزام سوزوكي ناسف ، لكن لماذا وجهت عناصر التمرد الاتهام إلى أميركا مع أنها تدرك أن القاعدة هي وراء ذلك التفجير الذي استهدف عناصر الحوثي ؟! .
أولا : لأن المتمردين لا يريدون الدخول حالياً مع القاعدة في مواجهات قبل استغلال فرصة الوساطة القطرية لبناء ما دمرته الحرب السادسة مع الدولة وإعادة التمركز والانتشار وجلب العتاد من أسلحة وقوى بشرية ومواد غذائية وغيرها ، ثانياً تدرك قيادات التمرد الحوثي أن أميركا وغيرها من المتربصين باليمن هم المستفيد الوحيد من تواجد القاعدة والحوثية وغيرها من الجماعات الإجرامية المخربة ، وكأن الحوثيون يريدون إيصال رسالة لأميركا مفادها "بلغوا جماعتكم أن الوقت لم يتسن بعد للبدء بلعب الورقة الطائفية مادام الدولة لاتزال قوية ومتماسكة" وحتى لا يتم فضح المؤامرة القذرة للأطراف الثلاثة وأهدافهم الخبيثة سارعت القاعدة لتبني عملية التفجير حتى توهم الشارع اليمني بأن هنالك صراع وخلاف شديد بين القاعدة والحوثية ، في الوقت الذي يعدان وسائل غربية استعمارية صهيونية إيرانية للقضاء على ماتبقى من قيم وتعاليم إسلامية وهو عربية وتقسيم دول المنطقة إلى دويلات مذهبية وحزبية وقبلية متناحرة وضعيفة ليستفيدوا أصحاب ذلك المخطط من نهب خيرات وثروات المنطقة وبناء مشاريعهم التوسعية وأحلامهم المستقبلية .