الكلمة أمانة ومسوؤلية يتحملها كاتبها على عاقته فإن نوي بها خيراً للعباد والبلاد كانت في ميزان حسناته وإن كان يرمي بها إلى إهلاك العباد وتوريط البلاد من إثارة للقلاقل والفتن كانت والعياذ بالله حجة عليه فكل كلمة خطتها أنامله شاهدة عليه والكلمة في المجتمع بمثابة المضغة في الجسد إن صلحت أصلحت وإن فسدت أفسدت.
وما أحوجنا اليوم والوطن يمر بهذا الظرف ا لعصيب إلى الكلمة الحقة التي من شأنها أن تبني ولا تهدم وأن توحد لا أن تفرق وأن تقوى لا أن تضعف.. نعم تلك الكلمة التي مفعولها أقوى من السلاح في ميدان المعركة مع الحق وكلمة الحق تشحذ العصم وتوحد الصف وتعزز الإيمان بالله تعال، مسخرة لطاعة لا لمعصية ولننظر إلى حديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وهو يحثنا على التناصح وعدم خذلان بعضنا بقوله: "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" وقد عجب الصحابة من نصرته وهو ظالم فبين لهم أن ذلك يكون برده عن ظلمه وهدايته للصواب.
إذا هذه المبادئ والقيم السامية والأخلاقيات الفاضلة كامنة في المعاملة الحسنة والكلمة الناصحة الصادقة التي تؤتي ثمارها الطيبة "فالكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء بينما الكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض وما لها من قرار".
الكلمة الحقة لا تخاف في الله لومة لائم لأنها تعني إصلاح وتؤدي واجبها، بعيداً عن الكيد والمساومة، تنصح الفساد وتدينه وتكشف المفسد وتشينه وتضيء الدروب المعتمة وتبرز الخفايا المبهمة والقضايا التي تتمظهر بالجمال وباطنها مشين، فالحق قوة عاتية ونصر مبين ولو بعد حين.
والكلمة الحقه تزيل الغشاوة عن العيون و توضح ما غاب عنك من حقيقة هذه الدنيا الفانية، التي شبهها رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام بالسخلة "الجيفة" أي الميتة ، فهل لأصحابها من حاجة بها فأجابوه إنها ميتة يا رسول الله فأي نفع فيها فأجابهم بما معناه، فكذلك الدنيا وحذرهم من شرورها والتهافت عليها، فما الدوام إلا لله وكل ما عداه زائل وما رزقك إلى الذي كتبه الله لك، لن يأخذه غيرك ولن تموت حتى تستوفيه، فحذاركم منها فإنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة هذه الكلمات وهذا التحذير غاب مفعوله حينما غاب التذكير به وغابت الكلمة الناصحة في ظل ما تشهده البلاد من فتن وما يحيكه الأعداء للوطن من مؤامرات ومكايدات وما بينها من أعمال سلب ونهب ورشوة واستحواذ على خيرات الوطن واستغلال سيء للمناصب والكراسي ، الأمر الذي أدى ترهيب أو دعوات للانفصال أو زج المجتمع بالفتن، فلأن رواد الكلمة وأربابها في انقسام وانشغال بين مؤيد ومعارض إما طاعة عمياء إلى حد التزلف والنفاق وتصوير الأمور على غير حقيقتها من تهوين أو تهويل.. أو معارض يسخر كل طاقته للنيل من كل شيء، تجده متذمراً متسخطاً حتى على نفسه إلا قلة.. تعارض تارة وتنصر أخرى وذلك من أجل المصلحة العامة وليس لغيرها.
فالوطن للجميع فاما النجاة وإما الهلاك ولا استثناء لأحد ما دمنا على مركب واحد ومادام الأمر كذلك فلتتظافر الجهود فالتنشئة الحقة من شأنها أن تمنح الحصانة وكذا المدرسة وما يتخللها من أنشطة توعية ومحاضرات أسبوعية ولو أسهم المسجد في تأدية رسالته الحقة ـ التوعية من مغبة الجهل وما يترتب عليه من عواقب وخيمة ـ لما وجدنا آكلاً للربا أو ناهباً للمال العام أو الخاص أو لاهثاً وراء سراب زائف ولن تجد أذية للعباد أو غيرها من الأوزار التي لا يقع فيها إلا الأشخاص الذين لم ينعم عليهم الله بنعمة الحصانة ولذة القناعة، إنها الحصانة التي تطهر النفوس وتزكي القلوب وتحيط بكيد الشيطان، إنها دعوة للقيام بحق الكلمة إعلامياً وتربوياً وتوعوياً وإرشادياً.
فهل ترانا سنؤدي حقها أم أن مطامع الدنيا الزائف سيجرفنا في تيارها.