بلاد تسيرها أقدار الباري وإلى جانب الأقدار تبرز حنكة وسماحة المدير والوزير، كل يدعي أنه الأفضل والأقدر والأجدر ولولاه لما قامت ثورة ولا قامت وزارة ولا قامت إدارة، في غياب هيكلة إدارية صحيحة ولوائح عمل ورقابة حقيقية على الأداء وتقييم للكفاءة ينجم عنها اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب، كما ينجم عنها مبدأي الثواب والعقاب، في غياب كل ذلك تسود حالات الأنا والسماخة والحنكة ليبرز الرجل الأقوى وتطفو على السطح ظاهرة تملك المرافق الحكومية، فبعد الخوف تملك البيت عفريت، ولهذا العفريت الحق في التصرف بكل ما فيه فالحق حقه والمال ماله والموظف العام خادماً له... فشلنا في كل شيء ولم ننجح إلا في خلق الولاء للسيد المدير، لأنه الآمر الناهي وصاحب الكلمة المسموعة والقرار الواجب النفاذ.. ومن الطبيعي في حال التغير بسبب الوفاة أو الترقية أن يأتي الجديد ليرقص على رفاة نظام قديم أكل عليه الزمن وشرب وأصبح التغير ضرورة ملحة ويجب تغيير كل شيء من المكتب والكنب إلى السكرتيرة والسائق والحارس، لا يرغب أن يرى شيئاً في إدارته يذكره بالعهد البائد، كما يجب تغير خطط العمل وآلياته وكل شيء ليصاب اقتصاد بلاد وكوادر مرافقه بخسائر مادية ومعنوية ، هذا يبني ويعمر وهذا باسم التجديد يكسر ويدمر.. تخبط في كل شيء وموظف عام تحكمه الوساطة والمحسوبية والتوصية والرشوة والولاء ومليارات تهدر بسبب تغير خطط وسياسات.
هذا هو حالنا الذي لا يخفى على أحد، وكلما نشدنا التغيير نحو الأفضل يجب أن نعمل حساب كلفة التغيير من السيارة إلى تغيير شكل المبنى وبوابة الإدارة أو الوزارة لتعجب المسؤول الجديد.. كما يجب أن يبدأ الموظف بتتبع أسلوب مديره الجديد ليعزف له على الوتر الذي يعجبه ليحظى بالرضى والقبول ويستمر فيما هو عليه.
ولا يجب الحديث عن وضع آليات ولوائح تحكم العمل ويتقيد بها ويحترمها المدير قبل الجميع ولا يجب الحديث عن خطط عمل سابقة يجب احترامها والسير عليها لتؤتي ثمارها، سيما وأنها خسرت الدولة مليارات أو ملايين وتعب سنين.. أتحدى من يقول بأن مرفقاً واحداً من مرافق الدولة بلا استثناء تحكمه لوائح ناظمة لأعمال موظفيه ومهامهم وصلاحياتهم واختصاصاتهم، وهناك رقابة على أدائهم وتقييماً للأداء والكفاءة ومحاسبة لكل مخلٍ بواجباته وتكريماً وترقية لكل مجدٍ مجتهد نزيه مخلص.. المعيار الوحيد هو الآتي:ـ " جني قريبنا أو من أصحابنا ولا إنسي من غيرنا..".. لا فائدة لسنوات خدمة أو أقدمية الفائدة في عدد أيام خدمتك للمدير وإخلاصك له ونقلك لأخبار الزملاء ونفاقك ومديحك لعهده الزاهي الباهي، ومدى إيمانك بأنه المخلص والمنقذ وصاحب الصولة والجولة، لتحظى بترقية، يغض الطرف فيها عن فسادك وسوء أدائك.
وما دمنا على هذا الحال لا فائدة نترقبها إلا بما تجود به الأقدار وحسن الاختيار لمدير لا يفتقر إلى أساليب القوة والسماخة ليبرز أشخاص وتضيع مرافق أو ترتبط بهم وجوداً وعدماً ورغم أن الزمان لا يجود بالأحسن يبقى السؤال : متى يتغير الحال...؟