الإهداء/ إلى الشهداء الأحياء عند ربهم : أحمد ياسين وعبدالعزيزي الرنتيسي وسعيد صيام ونزار ريان وإلى من حمل الراية بعدهم من المجاهدين المقاومين : خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وإسماعيل هنية ومحمود الزهار وغيرهم!!
- أحزانها لم تزل تنمو مثل أزهار بستان تسقيه أمطار تموز وأفراحها إمكان ما يتلمس خروجه من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، لكن مهما يكن الطريق صعباً سيبقى الوصول ممكناً غير مستحيل، وقريباً غير بعيد!
- جوع من حوصروا أتخم التاريخ من مائدة الكرامة، وجراح من قاوموا راحت تطبب سقم العصر الدامي بكل الرحمة وبكل الرأفة، ودماء من استشهدوا بقيت شاهداً على قبر العالم أن ثمة حياة ممكنة لن يهزمها الصمت وإن جاع إلى الصمت ولن يمنعها الموت وإن أسرف في الذبح حتى اقتلاع العشب ولو كان عشباً لا أكثر !
- ها أنا يا غزة أعطيك من فراغ يدي عن الفعل امتلاء روحي بالبكاء وأعطيك من هذا الحصار حصاري، وأقفز معك إلى ذات المكان الذي تقعين فيه صامتة لكن من غير ذل ، وحزينة لكن من دون انكسار، رفيعة الشرف إلى درجة أن بصر أعدائك لا يرى ذلك لعلو الدرجة ربما أم لعمى البصيرة لا بد !!
- حسناً يا غزة سأروي لك ما تيسر من قصص لا أجد من يسمعها سواك ومن بين كل القصص الذي أعرفه، لا أجد سوى قصتك أنتِ لأرويها عليك لكن لا تنفجري بالبكاء حتى لا يشرقني الدمع قبل اكتمال الحكاية، وأحبس عنك دمعك حتى لا تخنقني العبرة فأنا الآن على منبر التاريخ، تاريخ ذاتي ونفسي ، وأخشى أن تظن مشاعري أن ما بي هو ضعف أوجده بالضرورة ضراوة المواجهة، أو حزن كسره رغم صلابته خيانة الأهل وقذارة الأعداء !!
- دعيني أحكي إذن حتى ولو فقدت براعة الجدّة في سرد الحكاية، ودعيني أتأتئ وأثأثئ، عييّ أنا لكن حزني بليغ، وأعجمي أنا أبهم في الكلام إذ لم أنل رغم مشقة الجهاد إفصاح العروبة وجنان الخفاء المبين، لكني أحضر من بين الكلمات جلي النفس واضح الحزن، أسفح الدمع من وجه أسفر بالبشرى يتلمس درب الأنبياء والرسل، هو يعرف الطريق فليس بأعمى وإن ادعى المدعون، لكنه يحد النظر كثيراً فإن الوقت وإن كان فجراً لم يزل بعض من الظلمة ينسكب من ماء الليل الراحل ليرش به زهر الفجر القادم!!
- أنا لن أرحل يا غزة ولست راحلاً " مهما حضني الجميع على ذلك" وبثوا في فضاء الهوى ما يشاؤون من مغريات، أنا هنا باقٍ معك ، هيا قومي لتأخذي قسطاً من الراحة إذ سأعد لك المكان، آه ها أنت ذا ترين ما أعددت بسطت عباءتي فراشاً وجعلت من طاقية رأسي مخدة إذ طويتها جيداً لتناسب مهمتها الجديدة هذه، عجيب إصرار العربي على الاحتفاظ بعباءته وعممته أليس كذلك يا غزة؟ هه.. هه.. عموماً لا تنشغلي فأنا سأعد عشاء القصائد وسنأكل معاً، لا تنظري إلي هكذا أيتها الحبيبة أعرف أنك فطنة إلى درجة أنك تدركين أنني لا آكل حتى وإن مددت يدي إلى الطعام، لكني لا آكل من طعام قصائدي حتى أظل جائعاً دائماً إلى الشعر ولا أشرب مما تعصره يدا كلماتي حتى أظل ظامئاً إلى معنى النهر !!
- نامي قليلاً يا غزة على كف روحي، مرهق أنا فعلاً لكني لن أسمح للكرى أن يقفل جفن العينين عن ألمك، سأظل أحرس المكان ضارياً، لي عينا ذئب متربص وقلب عصفور راحم وغيرة آيل يقف فوق مدارج الطور يحرس الأسرار والمعاني، لماذا ترتعشين؟ آه أنت على حق فعلاً كيف غفلنا عن أن الجو قارص رغم أن كفيّ قد لفهما البرد جيداً، لا تقلقي سأشعل بعض النار ، ثمة حطب في النفس لا أحتاجه، وأنت تحتاجينه أكثر مني فليحترق إذن، كي تظلي دافئة يا حبيبتي ياغزة!!
- كم أنا مرهق بوسن يطلبه توق النفس إلى بعض من الراحة البسيطة التي لا تضير لكني لن أفعل سأظل هنا أنظر في النجوم وأذكر أني سقيم، لكن أنى لي فتّوة إبراهيم حتى أقتحم أوثان المعبد بفأسي؟ لن يسلبني الليل وإن جن قصائد عصفور أطنب في روح الغابات، غابات رجالك!! وسأبقى هنا فوق تلال الأنقاض لأبني كل بيوت الله مهما طاردني تمثال البعلين وأوثان العزى ومناة واللات وعشتار، لن أرحل رغم أنين جثوى فوق حطام الدنيا، وسأبقى من أجلك يا غزة يا حبيبة!!
- ما كنت سأبقى إلا أن لهيب العشق قد أتعبني وأضناني أفناني، أرهقني ألقاني عني فما عدت كسائي وإليك رماني، فلتفعل كفاك جميل العمر وخذيني نحوك، كم علمني صبر العينين الصامدتين أعذب ما في الإسلام وما في الشعر العربي من حب الله وحب سماء تدنو حتى يلمس كفك سيف النور النازل منها، فخذيني نحوك، أنت أكرم ما في الأرض وأزكى طيبٍ تحرقه نارك يا إبراهيم، كوني برداً وسلاماً يا نار على غزة، كوني برداً وسلاماً يا نار على غزة، كوني برداً وسلاماً يا نار على غزة!!.<
شهاب الدين المحمدي
الحزن وعُود غزة.. 1909