قبل أعوام قليلة ألقيت محاضرة نفسيه صحية حول هذا المرض أمام كوادر القطاع الصحي من أطباء وممرضين في مستشفى الصداقة التعليمي وكان حينها مرض الايدز موضوع الساعة لدخوله بلادنا بوقاحة ودون استئذان فأحدث فجيعة في النفوس لما له من علاقة فورية في موت البشر الذين يصابون به وينقلونه إلى الآخرين، فهناك حالات استثنائية بريئة ينتقل إليها الدم الملوث دون أن تكون على دراية أنها وقعت في المرض، ربما عن خدش في الجسم أو تركيب دم لها في المستشفى.. وهذه حالات نادرة..
كانت بداية المحاضرة بعد المقدمة عرض قصة واقعية لطرفين اثنين وقع في الفاحشة، وانتقل المرض إليهما.. وبعد ستة أشهر دخلت حالتها في الطور الأول من أعراض المرض، ولك عزيزي القارئ أن تتصور بدء المعاناة ونظرة كفيلة منك أن تراهما أنت بأم عينيك حتى تفهم ماذا يعمل الايدز من مصائب في روح الإنسان.
بدأت الأعراض الجسدية لاختلال في ضربات القلب وباختناق وتقلبات المزاج وتضخم في الغدد للمقاومة وينتاب الجسد ضعف عام ولازال الإنذار يطرق الخاطر مع صباح كل يوم.
فتحدث الصدمة كردة فعل طبيعي لأنباء تحمل تهديد الحياة، وأنت لاشك تدرك جمال الحياة، فعلاً الحياة جميلة وهي نعمة ربنا لنا لا تضاهيها كنوز الدنيا بأسرها.
نعم يصاب بالصدمة ثم بإغما تراها خفيفة تراودة دوماً للهروب من الواقع ثم صمت وبكاء وضحك وعدم تصديق وأفكار، وأنه يشير من خلال هذه الوظائف إلى أن كل شيء قد تحطم فجأة.
مريض الايدز يقول في داخله دون أن نسمعه "علي وعلى أعدائي" لأن درجة الانتقام والعدوانية عند بعضهم تزداد في ذاته وتزداد معه درجة التأوهات الحارة.. ومن هنا تختفي عافية الأمس لتضمر وتنكمش شيئاً فشيئاً نتيجة فقدان الشهية والنوم فتثير نوبات غضب على أسرته المنكوبة بسببه فتفقد أسرته المقدرة على رعايته أما القلق فهو مرادفاً للخوف الذي لا يمتلك من الموت حيلة للمريض إلا الإنكار، ثم الإحساس بالوصمة والعار لأن حالته أصبحت مكشوفة لوصفة بالفسق والفجور، ويفقد الأمان لعدم تحقيق أي طموح ونجاح جديد ثم تأتي أفكار تراوده بالانتحار.
عزيزي القارئ، يموت مريض الايدز في اللحظة مائة مرة، لأن أمام لحظة الحياة الواحدة يموت ويحيا ويستشعر صورة التراب الذي يواريه وهو في القبر والناس قد طرحوه ومضوا به
ويقف في نهاية المطاف، وأول مفترق طريق الحياة، أوامر الله العظيمة في أن تتجسد للفرد في المجتمع الذي يستمد منه القوة والخلق الرفيع في اتقاء الله خالق الزواج وخالق الأزواج، فكل علاقة جنسية خارجة عن إطار الزواج هي علاقة آثمة ومحرمة ويقرر القرآن ((ومن كل شيءٍ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون))
لا يوجد للايدز "متلازمة العوز المناعي المكتسب" وهذا اسمه، لا يوجد له في المعامل أدوية مضادة له حتى الآن، وليس لدى الأطباء أي علاج له ولا يعرف أي إنسان ما الذي سيحل بالبشرية نتيجة توالي العدوى على مدى السنين القادمة وتصعب السيطرة عليه للأسف، وأعود إلى السطور والفقرة السابقة التي كتبتها الآن وأقول: إن الخوف والحياة والشعور بالخجل، تدخل هذه المعاني في اتقاء الله، حينما يميل الإنسان بطبعه إلى المنكر فيكون الحياء قوة مانعة من الإقدام على الوقوع في الفعل المحرم فإذا اخطأ بواقع غريزته تحرك الحياء في نفسه وأشعره بالإثم ونغص عليه عيشته حتى يراجع نفسه ويتوب من هذا الفعل الخطير.
لكن الإشارة تتوجه إلى أن المصاب البريء بغير عامل الجنس لا يجوز أن يمتهن أو يتعدى على كرامته مهما كان سبب العدوى أو طريقتها إليه، ونهى الدين عن السخرية بالآخرين وقد تحدثت عنه الآية الحادية عشرة في سورة الحجرات (( لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم))
ويجب على الطبيب تعريف المريض بحالته واتخاذه الاحتياط لمنع انتشار العدوى عن طريقه إلى ذويه ولمن يخالطهم من زوج وأبناء وأقارب ومن حق كل زوجين أن يعُرف بإصابت زوجته والتنسيق بثقة بين الطبيب ومريضه في شأن الطريقة المناسبة والوقت الملائم لا بلاغ الزوج أو الزوجة حسب الأحوال.
عودة وتذكار سريع إلى الآباء والأمهات أن الزواج لأبنائهم هو الطريق الوحيد الذي أباحه الله لعباده لتحصيل المتعة الحسية بالعلاقات الجنسية وتسهيل الزواج للشباب والشابات والحفاظ عليهما هو أمثل وأسهل الطريق إلى حياة مثلى مشرقة..<