كنت ومنذ ما قبل توقيع اتفاق 17 يوليو الماضي بين حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وحلفائه وأحزاب اللقاء المشترك وشركائهم بشأن الحوار الوطني الشامل وتفصيل اتفاق فبراير 2009م الذي على إثره تم تأجيل الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية عامين من أكثر المتحمسين للدفع بعجلة الحوار بين الأطراف السياسية والتسريع بالجلوس على طاولته باعتبارها الخيار الوحيد لإنقاذ الوطن من الأزمات المتفاقمة التي تكاد تقذف به إلى مشارف الهاوية لا سمح الله .. وفي الوقت نفسه أركز في كتاباتي طوال الفترة الماضية وإلى قبل شهر رمضان حول مسألة التعجيل بالحوار الذي تعرض لأكثر من انتكاسة حرصاً على الوقت وقبل فوات الأوان .
لكن الحاصل أن مرور الوقت وتسارع الأحداث وتفاقمها في كثير من مناطق البلاد وعلى وجه الخصوص المحافظات الجنوبية والشرقية التي تدهورت فيها الأوضاع الأمنية بصورة مدمرة في الوقت الذي يبدو المشهد قائماً بالنسبة للحوار الوطني نظراً للتعثرات والتي لم تعد تواكب التصعيد العنيف للمشكلات وتوترها والصدامات المسلحة وأعمال العنف والتخريب التي فجرتها العناصر الإرهابية لتنظيم القاعدة من جهة وجماعات الحراك التي ارتفع نشاطها المناهض للوحدة والداعي لفك الارتباط .. أمام ذلك لم تكن هناك خطوات موازية من الأطراف السياسية نحو المضي بالحوار رغم إعلان أسماء المشاركين الـ200 من الجانبين وتشكيل اللجان التحضيرية وإضافة أسماء لممثلي منظمات المجتمع المدني والقيادات الجنوبية في الخارج وقوى الحراك في الداخل وممثلي الحوثي إلا أن الملاحظ أن الخوض في الجزئيات مثل قانونية اللجنة العليا للانتخابات وقيام الانتخابات في موعدها قد أضاع كثيراً من الوقت والفرص السانحة لجدوى الحوار الذي قد لا ينفع إن تأخر أكثر من ذلك .. أي قد تسقط الأمور من أيدي المتحاورين الذي يجب أن يرتقوا إلى حجم التحدي الذي وصلت إليه أوضاع البلد حالياً .
لقد كنت كغيري من المهتمين المتفائلين بالحوار باعتبار طريق النجاة والعامل الأهم للحل والانفراج من الأزمات الطاحنة في شتى المجالات وكنت أدعو الصحفيين والكتاب وأصحاب المنابر إلى توجيه خطابهم الإعلامي لحشد الهمم نحو الحوار .. لكن كاد الأمل أن يتوقف بسبب التأخير والمكايدات على حساب الوطن الذي يمر بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة لم يسبق لها مثيل وبالتالي أرى في هذه الحالة إن كان هناك نوايا صادقة وإرادة سياسية للحوار أن يتدخل الرئيس/صالح شخصياً لرعاية ودعم الحوار وأن يوجه قيادة المؤتمر الشعبي إلى تقديم كافة التنازلات كون المتغيرات قد أفرزت أوضاع جديدة لا يستطيع المؤتمر التحكم بمفرده بزمام الأمور بعد أفوله في معظم المحافظات وأهمها الجنوبية والشرقية وإذعان قياداته وقواعده للأمر الوقع بدلاً من تفرجها على النشاط الجارف لقوى الحراك التي دخلت كل المربعات الحمراء والصفراء والسوداء بينما المؤتمر لا يحرك ساكناً والجدير بالذكر أن أعمال الاغتيالات والتخريب والعنف والنهب تحدث والمؤتمر لا يصدر حتى بيان خجول لإدانة واستنكار هذه الجرائم التي أصبح يتعاطى معها بأعصاب باردة ومع أنني مؤتمري .. لكن أشعر بالخجل لما يجري من حولي ولا أدري لماذا السكوت من القيادة إزاء ما يحدث . فيجب على المؤتمر أن يقدم التنازلات لكي نرى أي مشاريع في عقول المشترك وغيرهم ولنتحمل المسؤولية التاريخية جميعاً والله يلطف .
علي منصور مقراط
المؤتمر .. وخيار التنازلات لإنجاح الحوار 1689