منذ تسلمه الدولة أواخر السبعينات، عمل الرئيس علي عبدالله صالح على تجنب العلاقات الأحادية مع القوى الدولية.. لم يعادي الأمريكان لكنه وسع مصادر تسلحه من الروس رغم الصراع القطبي آنذاك..
مع تباشير معارك أمريكا مع القاعدة كان صالح يقول لقيادات الجيل الأول من التنظيم، وفقا لماروى لي بعضهم؛ لاتسلموا رقابنا لأمريكا. ولذا وحتى اتجاهه للبيت الأبيض في فترة مبكرة من الحرب الدولية على الإرهاب عقب الحادي عشر من سبتمبر، كان محاولة لإبقاء التعاون بين البلدين سياسيا.
اليوم، اختلف الوضع كليا.. انتهت إستراتيجية الجيل الأول من القاعدة.. وصارت اليمن هدفا رئيسيا.. بل إنه خلال العام الأخير لم يستهدف القاعديون الا رجال أمن يمنيين.. ولايبدو ان مع صالح خيار اخر، وهاهي الطائرات الامريكية وبتعاون
اقليمي تضرب في العمق اليمني محاولة لمنع تحويل القاعدة لليمن الى أفغانستان أخرى.
كان يمكن ان يتحول ذات الملف اذا لصالح دولة الرئيس صالح، لولا انه فتح في وقت تطورت قناعات المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب، وفي وقت تواجه اليمن تحديات تتعلق بهوية الدولة، من صراعات الحوثيين الذين يعبرون عن نزعات دينيه ذات عمق طائفي، الى خطاب الحراك الذي يزداد ضرورة مناطقية.. ومثلما يهدد الحوثيين هويةالدولة القانونية يمثل الحراك تهديدا لهويتها الموحدة منذ حتى ايام التشطير.
كل ذلك، في وقت تتهدد فيها المؤسسات او انوية المؤسسات التي تسمت اليمن بها ديمقراطية ناشئة.
فالانتخابات أجلت، والعلاقة بين المؤتمر والمشترك اكثر سوءا من علاقة الدولة بالحوثيين او الحراك.. مع انهم احزاب يفترض انه مهما بلغت صراعاتهم فانهم يخدمون فكرة التحزب والحزبية.. باعتبار اي ضعف لأى حزب هو في المحصلة لصالح خصوم العمل الحزبي برمته في مجتمع لم تتجذر الحزبية حتى الان في نسيجه الاجتماعي.
كل ذلك، في ظل مؤشرات تنموية حادة.. ليست لها حتى تمثيل حكومي.. وكل قضاياالتنمية الأساسية والجوهرية تناقش بذات الطريقة التي كانت قبل عشرات السنين يوم كانت اليمن اقل تحديا، ومشاريع الإصلاحات الوطنية تتعثر عقب كل دعم دولي سياسي لليمن.
فالحكومة اليمنية الحالية، مقابل انها اتت في اكثر اوقات البلاد سوءا، تعد الاضعف اداءا.. وتفتقر للإقدام في مواجهة المشكلات.. بل إنها تتنازل يوميا عن دورها لصالح مؤسسات أخرى تنشأ كل يوم خارج البنية التنظيمية الدستـورية للدولــة..
واذا كانت الحكومات السابقة تشكو من تغول الرئاسة مثلا على المركز المدني لها، فان حكومة الدكتور علي مجور على مايبدو مسترخية في مواجهة التحديات من هذا النوع.. مما يجعل التدخلات الرئاسية او الأمنية وكأنها لتغطية غياب الحكومة وليس تقديما لرؤى مغايرة لها.
مع ذلك كله،فانه ورغم الانفتاح اليمني على التعاون الدولي امنيا ضد الإرهاب والقاعدة، فقد كانت رسالة اصدقاء اليمن التي نقلها اولا للرئيس صالح مساعد الرئيس الأمريكي لشئون مكافحة الإرهاب.. ثم اكد عليها لقاء نيويورك.. كانت ابعد من التعاون الأمني، وذات أبعاد مركبة لم تعتد عليها دولة الرئيس صالح، في علاقات العالم الخارجي بمشكلاتها.
نص الرسالة الدولية ان اليمن لم تعد شئنا محليا.. ولكن المجتمع الدولي لن يسمح بتكرار مأساة أفغانستان ولا العراق.. هذا التناقض تمت صياغته على نحو يطالب صالح بتحمل مسئوليته.. ليس في مكافحة الارهاب بل في اصلاح ادواته لادارة اليمن.
ويلتزم له في المقابل بحماية البلد موحدا ومستقرا.. تاركا مسألة التمويل للمجتمع الإقليمي الذي سيكون في الرياض بعد أشهر أمام تحد الموافقة -عبر تمويله التنمية في اليمن- على ايقاف اي دعم لمايفشل استخدام هذا التمويل.
المجتمع الدولي، بالاخص الامريكي، يقول انهم لايريدون حليفا جديدا في اليمن يشبه كرزاي.. هم لايقارنون بين صالح وبين كرزاي.. فلان لايعد صالح حليفا كامل الثقة لديهم لكن لاخيار بديل عنه.. وهم يعلمون ان الرجل يتوجس كثيرا منهم.. ولو سنحت له الفرصة لاصلاح بيته الداخلي لكان له اداء آخر..
لكنهم من جهة، يقولون: لانشكوا من ان كرزاي لايدعم المجهود الامني والعسكري.. الشكوى انه لايدعم جهود الاصلاحات الادارية والسياسية في بلاده.. ومن ثم فان ورقة التعاون الامني اليمني لم تعد ثمنا ضد الإصلاحات، لان التعاون الأمني صار مطلبا يمنيا يوازي كونه مطلبا دوليا، بعد تحولات استراتيجيات القاعدة.
وثانيا لان تفكير العالم الجديد يقول انها لن تجدي في مكافحة الإرهاب دون مشروعية وطنية توفر لها الدعم الشعبي.. وهي مشروعية مرهونة بالاستقرار السياسي الذي لاطريق له سوى اصلاحات ادارية وسياسية.
بقي القول، ان المجتمع الدولي لايضع في اعتباره اي جهود خارجية لتقريب وجهات النظر بين الخصوم، بما فيهم ماتسمي بقوى الحراك الجنوبي في الخارج.. هو أصلا ورغم نصائحه لفرقاء الصراع السياسي - الاحزاب، يقول للسلطة: دورك هو الأهم.
يمكن للمجتمع الدولي ان يدعم الاصلاحات حتى بدون مشاركة المعارضة.. هو يقول ذلك.. الاهم لديه ليس التوافق بين الاحزاب المتواجدة اليوم.. بل انجاز حوامل التحول، من اصلاحات في المجالات المختلفة..
يقول خبراء هذا التعاون: ان انجزت الدولة الإصلاحات، فان المعارضة اما انها ستقتنع وتشارك فيمابعد.. والا فان الاصلاحات نفسها ستخلق قوى معارضة أخرى.
من هنا يمكن الخوف من ان التوافق، اصبح مطلبا لدى الرئيس صالح اكثر من كونه مطلبا دوليا.. مكمن الخوف ان يتجاوز الرجل مطالب الاصلاحات عبر نافذة التوافق الوطني. هو توافق قد يحقق استقرارا جديدا لليمن.. لكنه لن يحل معضلاته الرئيسية.
نبيل الصوفي
المجتمع الدولي وصالح والمعارضة.. سباق القاعدة والإصلاحات والتوافق 1768