إن احتكار الثروات واتساع الفوارق داخل الشعوب، بما فيها تلك التي تنعم بالخيرات وتتقلب في بحبوحة من الرفاه المؤقت، حيث لا تخلو شوارع مدنها وبعض حاراتها من فقراء يتسولون وينامون على الأرصفة وتحت الجسور، مما جعل الفقر عاهة عالمية ينبغي العمل على إزالتها من خلال إعادة النظر من جانب أولئك الذين يحتكرون الثروات، دولاً كانوا أو مؤسسات أو أفراداً، وما فرضته الظروف الدولية الراهنة من واقع مريب يزداد فيه الأغنياء غنى والفقراء فقراً، وما ينتج عن ذلك من ردود أفعال غاضبة في طريقها إلى أن تتطور إلى مواقف عاصفة تهدد السلْم الاجتماعي، وتجعل الاستقرار المنشود في كف عفريت .
وأتمنى على الدول العظمى بثرائها الفاحش أن تطيل النظر في خطاب الأمين العام للأمم المتحدة في قمة أهداف الألفية للتنمية . وما ينتظر العالم في الوقت الراهن وفي المستقبل القريب من أوقات عصيبة إن لم يتدارك العقلاء والقادرون على الأمر، ويتم اتخاذ إجراءات عاجلة تقوم على تضحيات الدول الكبرى وأصحاب المليارات بجزء من أموالهم المكدسة في البنوك لإنقاذ الجياع، ووقف مد طوفان الفقر الذي يوشك أن يشمل كامل البشرية باستثناءات لا تكاد تذكر قياساً بالجموع الجائعة والفقيرة . وبدلاً من الإنفاق المبالغ فيه على الكماليات ووسائل الترفيه وعلى أسلحة الدمار والسباق المحموم لاحتلال الفضاء، ينبغي أن تتجه النوايا والأفعال إلى هدم هوة الفوارق الاجتماعية، وإيجاد مسافات تقرِّب بين من يملكون كل شيء ومن لا يملكون شيئاً . ولا بد أن يفهم أصحاب المليارات والدول العظمى الغنية أن كل خطوة تتخذ في هذا المجال هي لصالحهم أولاً وأخيراً .
أشير مرة أخرى إلى أن تحرك الأمم المتحدة في هذا المجال يجعلها تسير في الاتجاه الصحيح، فالقضية أخطر من أن تكون قضية فقراء فقط، بل هي قضية جياع يشرفون على الموت، فالفقر من الممكن التعايش معه، أما الجوع الذي يفتك بالملايين فإن أمره مختلف، والإسراع في معالجته ووضع برامج سريعة وآنية لاستئصاله هو المطلوب لإنقاذ مليار جائع، وهي مهمة المنظمة، كما هي مهمة الدول الغنية، حتى لا تصدق التهمة التي تتردد على الشفاه، وفي ما تنشره الصحف من أن الأغنياء يريدون التخلص من ثلاثة أرباع سكان العالم بالحروب والمجاعات، لكي تبقى الأرض وما فيها من خيرات لهم وحدهم، ولذلك فالامتحان الصعب في أن يستشعروا مسؤولياتهم عاجلاً لا آجلاً .
عبد العزيز المقالح
الأمم المتحدة وفقراء العالم 1906