;

غــــــــربان يا نظيـــــــــــــــرة 1479

2010-01-10 06:10:41

بقلم/سعاد
محمد عبدالله


صحوة في غير أوانها ومكانها. . . . والشيء في غير
أوانه دائما بلا طعم. . . هكذا كان شأن صحوتهم. . . صحوة عنيفة جانحة هدفها لم يكن تصفية
النفوس وإنما إشعال النفوس وخلخلة الصفوف، الذي يعرفه جميعنا أن الإنسان الذي يريد
أن يطهر نفسه ليسامحه ربه ويعفو عنه يبتهل إلى الله ويسبح ويدعوه طلبا للمغفرة
ويعيش ذلك بهدوء(منه لربه) ويكلل تلك الصحوة بالذهاب إلى العمرة أو الحج
لغسل بقية ما علق به من ذنوب.
لم أسمع عن شخص أراد التوبة
والعفو من الله والناس وذلك بأن قام بتجنيد كل وسائل الإعلام ودعا للاحتفال بتلك
المصالحة مع النفس. . .
وأي نفس. . ؟ حتى الراقصات عندما يعتزلن ويتبن يعملن ذلك
بهدوء.
خلال السنتين الماضيتين كثر الحديث عن الثالث عشر من يناير وكثر معه
النبش بالذكريات المريرة. .
يوم الحدث الأليم الذي مازلت أتذكر بداياته وكأنها
الآن. .
كنت طالبة في الصف السادس اقبع أنا وزملائي التلاميذ على مقاعدنا نستمع
إلى شرح مدرس الجغرافيا الأحول العينين الذي كان يداري حول عينيه بنظارة
سوداء. .
كنا في نهاية اليوم الدراسي وفجأة يصل إلى مسامعنا دوي
قنابل. .
أصابنا الرعب من ذلك الصوت. . وبدأنا ننظر إلى بعضنا البعض وعلامات السؤال
ترتسم على العيون والوجوه أما الألسنة فقد أصابها الخرس بعد أن ألجمها
الخوف. .
فتركت مهمة السؤال للغة العيون المتوجسة.
بدأنا نستعد للهروب لكن
معلمنا الصارم صاح بأعلى صوته ليأمرنا بالهدوء وبأن نلزم مقاعدنا قائلا لنا: أنها
غربان. .
هم الآن يقومون بقتل الغربان (في تلك الفترة كثرت وتوالدت جماعات
الغربان بشكل كبير ومخيف في /م عدن فعملت الدولة على محاربتها بالبيض المسموم
وبالرصاص أيضاً) ومن هنا فإن معلمنا الطيب اعتقد أنهم يطلقون الرصاص على تلك
الغربان. . لكن الصوت كان أقوى من صوت الرصاص. .
لقد كان صوت مدافع. . مما جعل أحد
التلاميذ الأشقياء يعلق بصوت ساخر :هل معلمنا مصاب بحول في النظر أم في السمع؟
.
ارتفع مستوى الصوت وارتفع معه مستوى الخوف. .
فجأة تفتح أبواب الفصول لنرى
أمهاتنا وقد قمن بمداهمة المدرسة واقتحام الفصول الدراسية وأخذنا بالقوة وهن
مذعورات باكيات فعم الهرج والمرج الممزوجين بالفزع والهلع.
أقسم بالله بأنني
عندما أتذكر ذلك المشهد تدمع عيناي حرقة وألماً. .
ومعلمنا الجليل واقف في مكانه
معتقدا أن تلك الأصوات ما هي إلا أصوات رصاص قتل الغربان شأنه في ذلك الاعتقاد شأن
كل أبناء م/ عدن الطيبين. .
حتى انه بعد انتهاء الحرب عرضت مسرحية كوميدية
بعنوان (غربان يا نظيرة).
استمرت الأصوات واستمر القتل في كل مكان. . حتى أن والد
ووالدة صديقتي علقا في منطقة خور مكسر ولم يتمكنا من العودة إلى منزلهما في منطقة
التواهي إلا بعد أيام وبعد أن سارا على جثث القتلى المرمية على جانبي وقارعة الطريق
. . أصيبت والدة صديقتي بهستيريا بسبب ما شاهدته وداسته من جثث بالخطأ لحظة هروبها
. . ولم تستطع مزاولة عملها فيما بعد كممرضة في مستشفى الجمهورية فكلما أبصرت جرحا
أغمي عليها وهي الممرضة الناجحة في عملها. .
فعندما كانت تحكي عن (عرس الدم )
الذي شاهدته تقشعر لكلامها أبداننا فما بالكم هي من عاشت الحدث عينه يا من ذكرتم
الحزينة البكاء. .
من يسامح من ؟ فكل الذين فقدوا عزيزا في تلك الحرب سواء كان
أبا أو ابنا أو أخا أو زوجا ستظل لعناتهم تلاحقكم إلى يوم الدين.
كل هذه
الذكريات أثارتها زمرة جديدة قديمة على الساحة مؤخرا فبدلا من القول (يا حيطة
داريني) راحوا يكرسون كل جهودهم ويشحذون كل أسلحتهم من أجل معالجة الخطأ بالخطأ
.
هؤلاء المرضى الناقمون يعلنون التوبة والسماح في 13 يناير 1986 م عن مجازر راح
ضحيتها الآلاف من الأبرياء الذين تم تصفيتهم بالبطاقة الشخصية. .
مرورا بمسلسل
الاغتيالات والتصفيات التي طالت كل الشخصيات الوطنية عقب تلك الأحداث.
جئتم
تعيبون على الوضع وما به من أخطاء. .
نحن لا ننكر أن هناك أخطاء ولكنها لا ترتقي
إلى مستوى أخطائكم بل جرائمكم. .
فلكل مرحلة أخطاء.
ومن خلف ستار الموت جئتم
تبحثون عن معاني الحياة. .
أن مياه العالم كلها لن تستطيع غسل أيديكم وأنفسكم
الملطخة بدماء من أدخلتموهم المشرحة وتفننتم وتلذذتم في قتلهم.
جئتم تزايدون
وتتاجرون تحت مسمى العفو والسماح والتصالح والوئام وتناسيتم الرصيد الوافر من صفحات
المصالحة والتسامح والعفو الشامل والتعويضات لأبناء الشهداء التي قدمها فخامة
الرئيس علي عبدالله صالح الذي مثل بشخصيته أروع صورة من صور التسامح في العصر
الحديث. .
وصفة التسامح لصيقة به بشهادة العدو قبل الصديق. .
أما عن تسامحكم
فهو مسلوب الحقيقة مبني على التزييف والتدليس لعقول المغرر بهم. .
فأنتم بذلك
أردتم عودة مصالحكم من خلال الارتماء في أحضان العملاء والموتورين والحاقدين على
البلد فأنى لكم التسامح والتصالح ؟ ولو أراد الله للتاريخ إن يعود إلى يوم 13 يناير
مرة أخرى لفعلتم مثلما فعلتم ولخضتم في بحار الدماء كما خضتم دائسين على كل معاني
التسامح تحت أقدامكم فهذا هو حالكم ومآلكم.
فالإنسان العاقل هو الذي يفحص أهدافه
على ضوء مصلحة الوطن وعلى ضوء الأخلاق والدين وفي حدود الممكن وليس المستحيل وأن
يعيش مع الآخرين ولهم. .
فنحن في م/عدن نكرة السلبية كما نكرة العنف ونحب
الاتزان والتعقل. .
ونحب التمسك بالكرامة لكن دون مغالاة ولا تطرف. .
أما
التصرفات التي تصدر عن القائمين على لقاء الثالت عشر من يناير للمصالحة والوفاق تدل
على أنهم يعيشون محنة بسبب فشلهم في كل شيء. . فالفشل عند بعض الناس يولد طاقة اسمها
الحقد. . ونحن نقولها لكم وبكل صراحة. .
لا نريد لظاهرة الغربان أن تعود من
جديد.
يوم بكى فيه الشيطان الزمان : 13 يناير 2008م المكان : م/عدن محطة الهاشمي
الناقمون الدين أخذتهم عقدة السيطرة المغموسة بثقافة العنف والإقصاء والإلغاء وعدم
القبول بالآخر. .
لم يستطيعوا العيش بسلام ولن يستطيعوا. .
تذكروا عهدهم
بالقتل. .
استدركوا رائحة الدم. .
لم يتخلوا عن دجلهم. .
عن نزعاتهم
الشيطانية. .
وعن أنانيتهم المقيتة. . يعدون سيارات وقوارب الهرب يخططون للرحيل
. .
يرحلون أبناءهم. . وما ملكت أيمانهم قبل ساعة الصفر. .
يرحلون ثم يأذنون
لأذنابهم ببدء موعد سفك الدماء وإشعال الحرائق.
اليوم وهم يتذكرون يناير
الدامي الأسود. .
وروائح حرائق أجساد القتلى في شوارع المدينة المسالمة عدن
المدينة الحالمة التي طالما أدمتها وحشيه أولئك الأجلاف. .
الدين كثيرا ما
أغرقوها بدماء الضحايا وأدخنة الحرائق. .
كان يناير الأسود إحدى تلك النزالات
يوم تحولت فيه المدينة إلى ساحة للقتال بين قبائل داحس والغبراء اللينينيه
.
اليوم أيضا اعتلوا المنصة. . أطلقوا العنان لمزامير حناجرهم. . رفعوا الشعارات
. .
ساروا بالضحايا. .
هكذا خبرناهم وهكذا مازالوا. .
وقفوا قليلا يتفحصون
عيون ضحاياهم. . تلك الأجساد التي غدروا بها واستقدموها من بعض القرى ليقدموها
قرابين للشيطان الأكبر.
قبل أن يرحلوا من المنصة أطالوا النظر في ضحاياهم
. .
أكثروا من متعة النظر إلى الضحايا هكذا اعتادوا. .
يأسرهم النظر إلى
الضحية قبل قتلها وقبل إحراقها. .
يتلذذون بتوسل الضحايا قبل دفنهم أحياء
.
غادروا المنصة بعد أن أشاروا لأذنابهم اللذين غرسوهم وسط لحوم الضحايا في فرزة
الهاشمي. .
كي يشعلوا الفتنة التي خططوا لها وبيتوا لها النوايا.
لماذا فرزة
الهاشمي ياعبدة الزحام والأماكن الضيقة ؟ لماذا لم يكن الإستاد ( الميدان) الذي سمح
لكم بالاحتفال فيه ؟ هذا لأنكم ستنكشفون وتتعرون. .
وسيظهر جليا عددكم الهزيل
وبالتالي لن يكون هناك ضحايا لأتساع المكان.
حقق المرتزقة هدفهم. .
غادروا
المنصة. .
غادروا المكان لكن لابد من سفك الدماء في يوم اقترن بالموت
. .
واقترن في أذهان كل الطيبين في هذا الوطن بالحزن وبنواح الثكالى وحسرات
الأرامل. .
وأقترن في ذاكرة زبانية الشيطان برائحة الدم. .
وبالتباهي
وبالثمتيل بجثث القتلى. .
فاليوم يا من أردتم أن تخادعونا بأنكم دعاة تسامح ما
بال اختياركم ليوم مشؤوم- ارتكبت فيه أبشع المجازر بحق آدمية الإنسان - لدعوة كهذه؟
هل تقطعت بكم السبل. .
وخانتكم الحيلة في إيجاد مسمى جديد لألاعيبكم المكشوفة
التي سبق عرضها في شوارع عدن وردفان والضالع وحضرموت. .
كرستم كل جهودكم لإيجاد
مسمى جديد لإخراج الناس من بيوتهم. .
فهداكم تفكيركم لمسمى في ظاهره حق لكنكم
أردتم به باطلا.
هل تعلمون بأن الشيطان في ذلك اليوم بات ليلته حزينا. .
؟
لم يكن حزينا لأجل الأبرياء اللذين سقطوا بل لأنكم تفوقتم عليه في التصريف والتدبير
. .
وهو الشيطان نفسه عجز عما فعلتموه اليوم والأمس.
عن ماذا تريدوننا أن
نتسامح ؟ عن أشلاء آبائنا التي مزقتها شظايا القنابل في المعتقلات. .
أم عن
أخواننا الدين اختطفتهم مليشيات الموت على الحواجز الأمنية التي نصبتموها في مداخل
الشوارع وعلى ضفاف الحارات. .
واقتادتهم أيادي القتلة إلى خنادق الموت لتدفنهم
جرافاتكم أحياء. .
أم ننسى من أحرقتم أجسادهم بالإسفلت في معتقلات المشاريع
وصبر. .
تم قررتم إخفاء جرائمكم بحقهم بدفنهم في صحراء معسكر الصولبان
.
فاليوم. .
واليوم فقط. . لا مناص من المطالبة بحقنا في معرفه أين دفن آباؤنا
؟ من حقنا أن نطلع على وصاياهم التي صرخوا بها قبل أن تخترق أجسادهم رصاصات الموت
التي أطلقتها بنادق جلاديكم.
من حقنا معرفه أين يرقد رفاتهم ؟ وزيارة قبورهم
والدعاء لهم. .
فان كنتم قد منحتم أنفسكم الحق في قتل آبائنا
وإخواننا. . .
فالتسامح في دمائهم من حقنا نحن. .
وحدنا من نقرر. . نحن الأبناء
بقينا سنين طوال نسقي شتلات الأمل بعودتهم صباح كل عيد. .
نحن وحدنا الأبناء
اللذين كانت تدمع أعيننا كلما طلب منا معلمونا في المدرسة إحضار آبائنا. .
نحن
بناتهم اللواتي أبكانا سؤال المأذون الشرعي عن آبائنا أثناء مراسيم عقد القران
. .
لكل هذا نحن أولياء الدم ونحن من يقرر. .
نسامح أو لا نسامح. .
لكننا
لن نسامح. .
لن نسامح. .
لن نسامح.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد