;

أسطورة الميزة على استقطاب الاستثمارات .."الحلقة «75» 980

2009-12-19 04:15:46

أشرنا في
الحلقة السابقة إلى أن الإنتاج الصناعي ينمو بمعدل يزيد على العشرة في المائة
وبدلاً من خمسة في المائة يعمل اليوم خمسة وعشرون في المائة من السكان في سن العمل
في القطاع الصناعي الذي صار يخلق ثلث الناتج الإجمالي وتضاعفت حصة الفرد الواحد من
الدخل القومي في الفترة الواقعة بين عام 1987 1995 فوصلت لدى هذا الشعب البالغ
تعداده عشرين مليون أربعة آلاف دولار في العام وإذا سارت الأمور وفق الخطط الحكومية
فسترتفع هذه الحصة حتى عام 2020 إلى خمسة أضعاف أي أنها ستصل إلى المستوى السائد في
الولايات المتحدة الأمريكية.

ولا
يقتصر السعي لتحقيق المستوى الرفاهي العظيم على ماليزيا فقط فكوريا الجنوبية
وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ وهي كلها بلدان وصفت ب"النمور" كانت قد سبقت ماليزيا
بخمسة إلى عشرة أعوام في هذا المضمار وجاء بعد ذلك دور تايلند وإندونيسيا وجنوب
الصين فهذه البلدان أيضاً انطلقت في طريق التطور وصارت تحرز الآن نجاحات
مشابهة.
وأشاد الاقتصاديون والصناعيون في كل أرجاء المعمورة بالمعجزة الاقتصادية
الأسيوية معتبرين إياها قدوة ودليلاً حياً على جدارة نظام السوق لكسر طوق الفقر
والتخلف فمن غير استثناء طبقت البلدان الناهضة في الشرق الأقصى إستراتيجية مستهجنة
على نحو شديد في الغرب دعم مالي عظيم على كل مستويات الأنشطة الاقتصادية فبدلاً من
أن تحذوا حذو المكسيك وتصبح شاة تنحر في مجزرة المنافسة الدولية طور نمو التنمية
الموجهة حكومياً على جاكارتا حتى بكين مجموعة من الأساليب التي تتيح لها فرصة توجيه
عملية التنمية.
وفي كل البلدان الآسيوية الصاعدة يتبع الانفتاح الاقتصادي على
العالم الخارجي مبدأ حاملات الطائرات الذي طوره اليابانيون فالضرائب الجمركية
المرتفعة والتعليمات الإدارية بشأن النواحي الفنية تعيق الاستيراد في كل القطاعات
الاقتصادية التي يرى المخططون أن المصانع الوطنية فيها لا تزال غير قادرة على
مواجهة المنافسة الدولية وأنه يتعين عليهم حماية فرص العمل من مغبة هذه
المنافسة.
وتكمن إحدى أهم وسائل هذه الاستراتيجية في توجيه أسعار صرف العملات
الأجنبية بما يخدم التصدير فكل البلدان الأسيوية تقتدي في هذا السياق بالنهج
الياباني.
إذ كان سعر المصرف هذا لا يتناسب مع القوة الشرائية الحقيقية للعملية
الوطنية في البلد المعني ولا يتدخل مهندسو التنموية الاقتصادية الأسيويون في توجيه
تدفقات رأس المال القصيرة الأجل في أسواق المال فحسب بل يضعون أيضاً شروطاً دقيقة
للاستثمارات المباشرة التي تقوم بها المؤسسات المتعددة الجنسية.
وفي كل الحالات
التي لا تكفي فيها هذه الخطوات لسد الحاجة تعقد هذه الدول اتفاقيات إضافية بشأن
الحصول على التراخيص وحقوق براءات الاختراع لتضمن نقل التكنولوجيا إلى جانب هذا
تكفل التعليمات بشأن حصة المنتجين الوطنيين من الإنتاج للسوق العالمية بقاء نسبة
معتبرة من الأرباح المتحققة من التصدير في البلد تساعد في تمويل المشاريع
الوطنية.
ولا ريب في أن النجاح قد أثبت صواب منظور المخططين الاقتصاديين
الأسيويين وإذا كانت تقريباً كل بلدان جنوب شرق آسيا الصاعدة اقتصادياً الآن قد
بدأت انطلاقتها مثلها في ذلك مثل المكسيك مورداً ينتج بضاعة للمؤسسات المتعددة
الجنسية أي أنها بدأت انطلاقتها كورش ثانوية بهذه المؤسسات إلا أن المسؤولين في
الإدارات الحكومية لم ينسوا حتى هذا اليوم أبدا حماية اقتصادهم الوطني وتعزيز عوامل
نموه وازدهاره والعمل على تأمين تمويل استثماراته بعوائد ما تصدره فروع المؤسسات
المتعددة الجنسية من بضائع يتبين من هذا أن العولمة في الاقتصاد العالمي لا تتبع
بالضرورة مبدأ إلى ضرورة تراجع دور الدولة وإعطاء قوى السوق مجالاً أوسع تطبق
البلدان الصاعدة حديثاً العكس من ذلك تماماً كما تلاحظ أن قادة المؤسسات أنفسهم
الذين يرفضون في الولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا كل أنواع التدخل الحكومي في
قراراتهم الاستثمارية رفضاً قاطعاً، الذين لا يتهيبون من تسمية عملهم بالتخطيط
الاقتصادي المركزي ولكن على ما يبدوا تنسى الأرباح المتحققة في سياق معدلات نمو
تتكون من خانتين كل التحفظات الأيديولوجية.
المتاجرة المعادلة. .
هل تنطوي على
حماية للفقراء؟ ولا ريب في أن للمعجزة الآسيوية أيضاً جوانب سلبية إذ اقترن
الازدهار الاقتصادي هناك بالرشى والاضطهاد السياسي والتدمير العظيم للبيئة
والاستغلال غير المحدود في أغلب الأحيان للعاملين المحرومين من الحقوق وللنساء منهم
على وجه الخصوص.
وكانت ماليزيا جارة إندونيسيا قد سبقتها في هذا الدرب فارتقاؤها
في الإنتاج كمورد للشركات الأجنبية حقق استخداماً شاملاً للأيدي العاملة وارتفاعاً
في أجور الكثير من الماليزيين وذلك لأن الحكومة قد أجازت التنظيمات النقابية في
المصانع على الأقل وأن كان البلد لا يزال يفتقر إلى الحقوق الأساسية المميزة للبلد
الديمقراطي الحر فحكومة رئيس الوزراء "محمد مهاتير" تقبض على السلطة منذ خمسة عشر
عاماً وتضع وسائل الإعلام لرقابة صارمة.
وعلى نحو أكثر بشاعة يجري استغلال
العاملين لدى المائة والخمسين ألف مصنع والتي شاركت في تأسيسه أطراف صينية مع
ممولين أجانب أرادوا أن يضمنوا لأنفسهم حصة في التطور الانفجاري السائد في
الاشتراكية الصينية القائمة على نظام السوق إذ يتعين على الكثير من العاملات اللاتي
يفوق عددهن المليون العمل خمس عشرة ساعة في اليوم وأكثر أن كانت الحاجة تدعوا إلى
ذلك "إن البشر مجبرون على العمل بالماكينات" كما كتب إحدى الصحف المحلية وكثيراً ما
يتوجب عليهم رهن العديد من رواتبهم الشهرية عند بداية عملهم كضمانة لن تعود لهم في
حالة تركهم العمل من دون موافقة إدارة المشروع وفي الليل يحضرون في قاعات نوم ضيقة
ومقفلة الأبواب الأمر الذي يجعل منها مصائد قاتلة في حالة إندلاع النار فيها وحتى
الحكومة المركزية في بكين نفسها كانت قد اعترفت بتجاهل المصانع لقوانين العمل وبأن
الحوادث في المصانع قد أودت بحياة ما يزيد على أحد عشر ألف عامل في خلال ستة أشهر
فقط في عام 1993 وبأن اندلاع النيران قد تكرر ثمانية وعشرين ألف مرة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد