;

حيث تحشرنا الحداثة في نفق الحرمان ..."الحلقة الحادية والعشرون" 903

2009-10-13 02:54:30



العولمة بشكلها الراهن وقواعدها
المعاصرة. .
مشروع أميركي لا يستثنى من مكاسبه الكثير من البلدان النامية
والغالبية العظمى من دول القارة الأفريقية فحسب، بل ويرمي إلى العودة بالعالم إلى
العصر الاستعماري وترسيخ الهيمنة على خيرات الشعوب، من خلال السيطرة على الموارد
البترولية في العالم والهيمنة على حقوق براءات الاختراع والملكية الفكرية، والتحكم
بوسائل الاتصال الدولة،
واحتكار
إنتاج البذور الزراعية المعدلة جينياً، باعتبار أن احتكارها يمكن الولايات المتحدة
الأمريكية من السيطرة على أنتاج المواد الغذائية في العالم أجمع.
. يتناول هذا
الكتاب تحليل قضية العولمة من منظور عقلاني شامل يحيط بها من مختلف أبعادها ومن
منظور إنساني إذ عالج الأبعاد المختلفة للعولمة وما صاحبها من تدهور مستوى المعيشة
وأتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وتقليص دور الدولة في مجال الخدمات، كما تتميز
بالدفاع عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
الكتاب الذي ترجمة
الدكتور/ عدنان عباس علي والصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت
قدم مؤلفاه "هانس بيتر مارتين وهارالدشومان " وجهة نظر مختلف عما هو شائع من
الأحاديث والأفكار الملتهية حول العولمة والتي تدور الآن بين المثقفين
العرب.
يواصل المؤلفان حديثهما بالقول: إن التجار الصينيين بوسعهم إغراق أسواق
المعمورة بأطنان من الألعاب وبأسعار ستظل في أسواق الاتحاد الأوربي أدنى من أسعار
السلع المصنعة في التشيك بأقل الأجور ناهيك عن أسعار السلع المصنعة في دول الاتحاد
الأوروبي وبتجاهل مريب وغرور مفرغ حيال مشكلات تلوث البيئة تضع نفسها الآن الدول
النامية فها هي المدن الصينية تنفث غيوماً عظيمة من الغازات السامة تغطي 1700
كيلومتر في عمق المحيط الهادي وفي صبيحة كل يوم تقريباً يستيقظ سكان مدينة شانغهاي
ليجدوا مدينتهم تئن تحت وطأة دخان برتقالي اللون غامض وفي شينغ دو هناك آلاف من
أفران الكلس ومعامل الطوب لم تزود بالفلترات "المرشحات" الضرورية المناسبة وبالتالي
فإنها راحت تنفث على مدى عشرات الكيلومترات دخانا أبيض وأسود وعلى نحو أسوأ بكثير
مما عليه الحال في وادي كاتما نرو ، حيث يترك الهواء أثراً مرهقاً للأغشية المخاطية
شبيهاً بالأثر الذي يتركه هواء المدن الصناعية العملاقة.
وكان المهندس المعماري
البريطاني جون سيرجانت قد وصف الصور التي انطبعت في ذهنه بعد طوافه في جنوب شرقي
آسيا بأن قال:"لقد أصابني الذعر والفزع عندما تحسست المستقبل الذي ينتظر الجزء
الأعظم من مناطق المحيط الهادي فهناك ربع سكان المعمورة قد دمر جزءاً مهماً من
المعمورة في سياق سعيه إلى تحقيق مستوى معيشي أعلى".
وفي الواقع لا يمكن تحميل
الصين بمفردها وزر هذا كله فنحن جميعاً شركاء لها بلا ريب فالغالبية العظمى من
مواطني بلدان الرفاهية تعتقد أن في وسعها العيش في عالم ترتفع درجة حرارة الجو فيه
باستمرار ومهما كانت الحال فإن الأمر الذي ريب فيه هو أن المشكلة البيئية عامل
يساعد على بزوغ فجر مجتمع "العشرين إلى الثمانين" فكلما كانت المواد الغذائية أكثر
ندرة وأغلى ثمناً كان عدد المستهلكين لها أقل أما من ينتجها فإن هذا هو الذي
بإمكانه تحقيق أرباح أوفر.
فعلى سبيل المثال من حق سكان مدينة لش عروس منطقة
حيال ومنتجع التزلج على الجليد أن يرقصوا فرحاً عندما يصل إلى سمعهم أن علماء
المناخ قد صاروا يتنبئون بأن "السباحة الشتوية ستغدو في خبر كان في يوم من الأيام
في النمسا فهذه المدينة الواقعة على ارتفاع 145 متراً فوق سطح البحر ستصبح أكثر
ثراء عندما تكف الثلوج عن الهطول في المناطق المنخفضة الارتفاع عندئذ سيصبح التزلج
في جبال الألب رياضة نفسية تنافس رياضة الصيد في بريطانيا.
حقاً لا يزال هناك
الآن عدد من أصحاب الفنادق يئنون تحت وطأة القروض التي مولوا بها استثماراتهم ولكن
مع هذا فإن سكان لش البالغ عددهم 1380 قد توسعوا ببعد نظر في تملك الأرض بحيث لم
يعد بإمكان أي نازح تملك أرض في المنطقة وهكذا فإن مستقبلاً زاهراً بانتظار الأبناء
والأحفاد فإذا ما تحققت النبوءة في عام 2060 ولم يعودوا قادرين على تغطية منحدرات
التزلج بالجليد الاصطناعي المكلف فلا خير من ذلك فحتى ذلك الحين ستكون غالبيتهم قد
جمعت الملايين التي ستمكنها من العيش المنعم بما تدره عليها هذه الثروات من أرباح
وفوائد ولربما بدأ هذا المثال بشعاً منفراً إلا أنه مع هذا يلقي الضوء على أمور عدة
بلا ريب فالتباطؤ في تحقيق تحالف سياسي لمواجهة ارتفاع الجو في المعمورة يمكن أيضاً
في حقيقة الأمر أنه لا يزال هناك الكثير من الملايين الأفراد المنتفعين بما يطرأ
على المناخ من تغير ولكن من ناحية أخرى فإن الاعتقاد بأن كل الجهود لن تجدي نفعاً
وأن الكارثة قادمة لا محالة هو اعتقاد خاطئ بكل تأكيد، أنه يشجع على تناسي المشكلة
وعلى الوقوف بأيد مغلولة حيالها لا سيما أن الراحة تكمن في التقاعس وانتظار ضياع
مستقبل البشرية.
إننا لا نعتقد بأن هناك كارثة ستحل في المعمورة تنهي ما بها من
حياة وما تنطوي عليه هذه الحياة من مشكلات فالبشرية ستستمر بالحياة بكل تأكيد، إن
المشكلة هنا تدور فقط حول الكيفية وحول نسبة أولئك الذين سيعيشون حياة مرفهة وأولئك
الذين سيعشون حياة الفاقة والحرمان ليس في الدول الفقيرة فحسب بل في الدول الصناعية
أيضاً، حقا "سيتقرر المستقبل البيئي للبشرية جمعاء في آسيا" كما يؤكد ذلك رئيس
منظمة السلام الأخضر الدولية "تيلو بوده" ولكن مع هذا تقع مسؤولية اتخاذ الخطوات
الضرورية للمحافظة على البيئة على عاتق أولئك الذين كانوا الرواد الأوائل لعملية
التصنيع والذين جعلوا من صيغ وصور هذه العملية أصناماً تعبد.
مسيرة مظلمة في
عالم البؤس وفي هذا السياق لا يعني التراجع عن النموذج التقليدي للتنمية الاقتصادية
بالضرورة ومهما كانت التضحيات "مسيرة مظلمة في عالم البؤس والحرمان" بل إنه يمكن أن
يقود إلى "صيغ جديدة للرفاهية"، كما يقول رئيس معهد فوبرتال إرنست والرش يتسزكر
فبصفته رئيساً لهذا المعهد المهتم بشؤون المستقبل قدم فايتمسزكر بالاشتراك مع خبيري
الطاقة الأمريكيين أموري لوفنس وهانتر لوفنس في عام 1995م تصوراته الدقيقة والمفصلة
عن إمكان "مضاعفة الرفاهية بنصف ما يستهلك حالياً من الثروات الطبيعية" ولعله تجدر
الإشارة هنا إلى أن هذا الكتاب قد نال اهتمام القراء في ألمانيا على أدنى تقدير
وأنه كان في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، ومع أن كل العائلات في أوروبا الغربية قد
أصبحت تمتلك السيارة وجهاز التلفزيون إلا أن بعض المواطنين من سكان المدن على وجه
الخصوص قد أخذوا يفكرون أكثر فأكثر في التخلي عن أصنام الحداثة هذه وهكذا فحتى في
هذا السياق يوجد تباين في المجتمع الواحد فمنذ أن طغت مشكلة الحصول على مكان
للسيارة في المدن على ما تفرزه السيارة من راحة ضاعت المساواة الصورية التي كان
يشعر بها مالكو السيارات فاختناقات المرور الشديدة لا تواجه المجتمع بالوطأة نفسها
وعلى نحو متساو وبالتالي فإذا كان امتلاك جهاز التلفزيون والسيارة قد أضفى في يوم
من الأيام على المالك منزلة اجتماعية رفيعة فإن عدم امتلاكهما قد أضحى اليوم المثل
الأعلى، لقد أخذ المرء يفضل إن استطاع ذلك السكن في المدن وفي الضواحي البعيدة ومن
يرغب في حياة متنوعة ثرية أضحى يتخلى طواعية عن بهرجة عالم التلفزيون الفارغة وعن
كل ما تنطوي عليه.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد