كانت مقاطعة اليمن المفاجئة لقمة غزة التي عقدت بالدوحة، في شهر يناير الماضي من أكثر المواقف التي أثارت استغراب المراقبين، لكون اليمن كان من أكثر المتحمسين لحشد الجهود العربية لنصرة الأهل في غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، لكن تصريحات نائب رئيس الوزراء اليمني عبد الكريم الارحبي قبل أيام، ربما تفسر قرار بلاده عدم المشاركة، ويبدو أن الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها اليمن، كانت السبب الأساسي وراء مقاطعة القمة، التي عقدت في خضم تجاذبات وخلافات عربية، ألقت بظلالها السلبية على مساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان، حيث خضعت العديد من الدول العربية الفقيرة، لضغوط دول عربية كبيرة رفضت المشاركة في القمة، وفقاً لحسابات سياسية ضيقة، فخشي الفقراء غضب الكبار، وربما تحسبوا لتعرضهم لعقوبات !.
تصريحات المسؤول اليمني دقت ناقوس الخطر، وفيها دعا الى زيادة المساعدات الدولية لليمن، محذرا من غرق هذا البلد في الفوضى، وتحوله الى "صومال آخر" تهدد الأسرة الدولية، مشيرا الى ما يشكله القراصنة الصوماليون من يربك حركة الملاحة الدولية في خليج عدن والمحيط الهندي، فاليمن يعاني أصلاً من ضائقة اقتصادية شديدة تفاقمت بفعل شظايا الأزمة المالية العالمية، التي أدخلت الاقتصاد العالمي في حالة ركود غير مسبوقة منذ عشرات السنين، وحتى الدول ذات الاقتصادات الكبيرة وفي مقدمتها الولايات المتحدة تترنح تحت تداعيات الأزمة، وإذا كان الكبار قادرين على ضخ تريليونات الدولارات لإنقاذ اقتصاداتهم فإن اليمن يعاني من عجز مالي ومديونية، ويعتمد في جزء كبير من اقتصاده على المساعدات الخارجية!.
ليس الأزمة الاقتصادية وحدها التي يعاني منها اليمن، بل هناك حالة عدم استقرار سياسي وأمني، بسبب وجود جيوب تمرد داخلي، وانتشار التطرف في مساحات واسعة من البلد المترامي الأطراف، رغم أنه نجح في إقامة وحدة بين شطريه، هي أول وحدة تصمد في واقع التجزئة العربي، بل إن اليمن تميز أيضاً في صياغة عملية سياسية تعددية، فيها هامش واسع من الممارسة الديمقراطية، لكن من السذاجة الاعتقاد بأن هناك ديمقراطية يمكن أن تستقر في ظل بؤس اقتصادي واجتماعي ونسبة أمية مرتفعة ومعاناة الغالبية العظمى من السكان البالغ عددهم نحو أربعة وعشرين مليون نسمة من الفقر، وتعثر مشروعات التنمية!.
اليمن الشقيق يحتل موقعاً استراتيجياً مهماً في المنطقة، وهو يبدو جزيرة فقيرة شاذة، وسط محيط عربي غني يتكون من منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، التي تنعم بخيرات الثروات الطبيعية، وطالما حاول اليمن الذي يشكل خزاناً بشرياً من القوى العاملة الاندماج الكامل في مجلس التعاون، لكن محاولاته لم تنجح، وقد أثبتت حقائق التاريخ والجغرافيا أن وجود الفقراء إلى جانب الأغنياء، يشكل عنصر قلق وعامل عدم استقرار، وهذا الصومال نموذجا على ذلك، وكذلك العراق الذي عانى من الفوضى والعنف والهجرة بسبب الاحتلال الأمريكي، ولم تنج دول الجوار من تداعيات كارثة العراق!
ومن هنا فإن حكماء المنطقة مطالبون بالتمعن بالمخاطر التي تنطوي عليها احتمالات تعرض اليمن للانهيار والفوضى لا سمح اللَّه، فذلك يشبه انهيار سد مياه، وعليه فلا بد من التفكير جدياً بتقديم مساعدات اقتصادية تشكل مضادات حيوية تقي من المجهول!.<
* الراية القطرية