وكنا نرتب أوضاع إخواننا النازحين فلقد جاؤوا إلى وطنهم في الشمال، فكنا نستقبلهم وتسلم لهم الدولة كل الحقوق أفراداً أو جماعات الأمرالذي كان له تأثير سلبي عند الحكام في الجنوب، والدولة في الشمال تعمل لهدف وطني كبير، بأن اليمن دولة واحدة، رغم أن خطابهم الإعلامي يتكلم على الوحدة، ونحن نمارسها عملياً، لأن هدفنا تحقيق الوحدة، بل كنا في الشمال مع كل مواطني الجنوب كمواطني الشمال، لا فرق بين مواطن شمالي أو جنوبي لا في الحقوق ولا في الواجبات، ومارسنا الوحدة عملياً بتعيين وزراء في الحكومة، فكان عبدالله الأصنج وزيراً في أكثر من حكومة، منها وزارة الخارجية،ومحمد سالم باسندوه عُين في عدة مناصب للتخطيط والإعلام والخارجية، ومستشاراً لرئيس الجمهورية وغير ذلك، كما هو معروف، وعُين حسين عشال وزملاؤه أعضاء في مجلس الشورى، وغيرهم في مناصب ثانوية في الدولة. كما أن جعبل بن حسين، ومحمد علي الجفري وشيخان الحبشي وغيرهم من الرابطة والتحرير والمستقلين والقوميين النازحين إلى الشمال كانوا يعيشون في الشمال ويتمتعون بكل الحقوق في وطنهم.
قصة ناجي الغادر
سوف أتوقف هنا قليلاً حول ما أذكره وعملته وشاركت فيه لإقناع الشيخ ناجي بن علي الغادر، كلفني القاضي الإرياني بالذهاب إلى السعودية لمقابلة الأمير سلطان وتسليمه رسالة، لكي يساعد الدولة في إقناع الشيخ ناجي بن علي الغادر بالعودة إلى اليمن ليتبوأ المكان الذي عين له في مجلس الشورى فذهبت في زيارتين لهذه المهمة، لكنه اعتذر بحجة أن عليه التزامات مالية يطلبها من المملكة السعودية، ومن الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي يحترمه ويقدره، وقال: إن الالتزامات تقدر ب16 مليون ريال سعودي، وكان يطالب بصرفها لسدادها، بالإضافة إلى ميزانية تعتمد له لمواجهة التزاماته لقبائله التي وقفت معه خلال الفترة الماضية، واعتذر الإخوان في المملكة عن تلبية هذا الطلب. اجتمعت به في جدة وأبلغته بالمهمة التي كلفت بها من الرئيس، ولم أوفق في المهمة في المرة الأولى لأن الشيخ ناجي الغادر كان له طلبات وتحفظات على بعض الشخصيات ، وحساسية تجاه بعض المشائخ، ويرى نفسه أكبر منهم جميعاً.
كان يتحسس من الشيخ عبدالله الأحمر وسنان أبو لحوم، ويعتز بنفسه وبقبيلة خولان، وذكر أن له دوره الكبير ضد الإمامة.
وهذا هو اعتقاده وتفكيره، وكما يقول القبائل "قمر القبيلة"، قال لي: كيف أدخل عائداً من دون أن يكون لي موقع سياسي ضمن اتفاق.
كان لديه كبرياء وإصرار على عدم العودة بالطريقة العادية، أي مجرد عضو عادي في المجلس الوطني دون أن يكون له مكانة كبيرة أو حيثية كبيرة.
كان الشيخ ناجي بن علي الغادر رجلاً سياسياً محنكاً ، يريد أن يكون له موقع مؤثر في الدولة. . إضافة إلى شعوره بأن المملكة تجاهلته في المصالحة الوطنية ولم تفِ بالالتزامات التي ذكرتها، ولم تعتمد له ما يستحقه وقبائله خولان تقديراً لمواقفهم.
وكان له حسابات تختلف عن حساباتنا اليوم، لأن بعض المشائخ الجمهوريين سيكون لهم موقف إذا حقق الشيخ ناجي الغادر كل مطالبه من النظام الجمهوري، ويعتقدون خطأ أنه حقق كل مطالبه من السعوديين.
لقد كان محراباً قوياً في الجانب الملكي، وحصاره لصنعاء لا ينسى، ورئيس المجلس الجمهوري لا يمكن أن يتخذ قراراً بعودة الغادر في مركز قيادي كبير. . إلا بعد معرفة مواقف القيادتين السياسية والعسكرية والمشائخ الذين دافعوا عن الثورة، وربما كان هناك اتفاق بين اليمن والمملكة، بأن لا يكون الشيخ الغادر في مركز قيادي كبير في المرحلة الراهنة.
بعد مناقشته نقاشاً أخوياً وطنياً صادقاً، بلغته رسالة الدولة، فطلب مني أن اترك له فرصة لكي يفكر وبعد ذلك ربما نلتقي ، عدت مرة ثانية إلى المملكة وفي الفندق نفسه في الكندرة، ولم يتغير الموقف، وكان للإخوة في المملكة موقف منه لا أدري لماذا!ولم يلبوا طلباته والرغبة التي يطمح إليها في ذلك الوقت، وشعر بإهمالهم له، وكانت شكواه أن الإخوان في المملكة تخلوا عنه، ولم يكونوا متجاوبين فيما كان يأمل منهم.
ثم قال لي: "انتوا الجمهوريين أخذتوا علينا كل شيء!" قلت له: نعم! أخذنا عليك كل شيء لليمن ليس لأشخاص، وأصبحت اليوم علاقة اليمن بالمملكة وجميع دول العالم مباشرة، وصارت الدولة هي الأساس في التعامل مع السعودية وقضية الأفراد والأشخاص والمقاومة والقيادات انتهت بالمصالحة الوطنية وأنصحك بكل صدق وأمانة بأن نعمل جميعاً لمصلحة اليمن.
وجدته ما زال مصراً على موقفه، وودعته وقلت له: الله يعينك، فأنت أخبر بمصلحتك، لكن مصلحتك في نظر الدولة، ونصيحتي هي العودة إلى اليمن وطنك، وأكرر لك موقف الدولة منك بأنها ستعطيك الحق في المشاركة كغيرك من أبناء اليمن وأنت من الشخصيات التي كان لها دور قبل الثورة، ولك مواقفك الوطنية، فأرجو أن تتأكد أني حريص عليك وجئت إليك مكلفاً من القيادة السياسية والقيادة العسكرية، والمشائخ جميعهم يرحبون بك، ويتمنون أن تعود إلى وطنك مكرماً معززاً مجللاً كغيرك من أبناء اليمن، وسوف تنال كل الحقوق التي تقدر عليها الدولة.
لقد اتجه إلى الجهة التي أنهت حياته ومن معه، لأنه كان يبحث عن وسيلة ضغط على النظام الجمهوري في الشمال وعلى المملكة السعودية، لكي يستجيبوا لمطالبه، ومن خلال التواصل مع محمد صالح مطيع وزير الداخلية آنذاك، وحينما تأكد النظام في الجنوب بأن الشيخ ناجي الغادر ومشائخ خولان ضد السعودية، وأصبحوا متضررين ويريدون الوصول إلى عدن وجدوا أن هذه صفقة كبيرة، والشيخ ناجي الغادر على ذكائه لم يدرك غدرهم ومكرهم وفكر بحساباته السياسية المحلية بهذا الخط والقصور، اعتقد أنه سينجح بالمناورة والاستفادة من النظام في الجنوب، ولم يكن عنده البعد السياسي ولا معرفة الأساليب التي تتعامل بها الدول التي تنظر إلى المخاطر عليها، ولديها القدرة على مراقبة الأشخاص الذين يشكلون خطراً، وتعمل معهم بحذر إذ المعروف أن الشيخ الغادر من أخطر الشخصيات القبلية، يعمل لمصالحه ورغبات طموحه وينتقل من موقف إلى موقف، وقيادة النظام في الجنوب وجدت أن الفرصة مواتية لها، فاستدرجته إلى أن وصل الضيافة وغدروا به وبمن معه بعملية غير أخلاقية وغير إنسانية وخارجية عن قيمنا العربية والإسلامية، هذه هي مأساة الشيخ ناجي الغادر، رغم ذكائه وخبرته السياسية، كانت قدرته في التعامل مع الدول قاصرة وغير مدركة للغدر والخيانة اللذين مارسهما ضده إخوانه من حكام الجنوب.
اعتقد الشيخ ناجي "الغادر" أن الحكام في الجنوب سيكونون في المستوى الأخلاقي وشرف الموقف بما يشابه موقف النظام الجمهوري في الشمال والدليل أن كل من عاد إلى الصف الجمهوري من الذين قاتلوه لم يمسوا بأذى، بل صاروا محل احترام ومشاركة في العمل السياسي والعمل الوطني.
بعد هذه المذبحة كان الشعور العام لدى المواطنين في الشمال والجنوب بهذه الخيانة اللا أخلاقية وطريقة الغدر المحزنة والمؤلمة - هو الاستنكار والاستهجان لما حدث ! والتنديد به، لأن الشيخ ناجي الغادر وجماعته هم الذين لم يضعوا في حساباتهم غدر الحكام في الجنوب، ولم يعتبروا بما حدث لرئيسهم قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف الشعبي وزملائهم الهاربين إلى الشمال وغيرهم.
التحرشات بين الشمال والجنوب عام 1972م
إن التخريب والقتل الذي كان يتبناه زعماء الجنوب ضد أبناء الجنوب والشمال، وإرسال المخربين إلى المناطق الوسطى أثارا حرب 1972م بين الشطرين ولم يكن سببها الغادر، وإنما كان أحد العوامل التي ساعدت على قيام حرب 1972م وهزت النظام الجنوبي.
لقد كان التفكير لدينا بأن استمرار النظام الجنوبي في اتجاهه الشيوعي الماركسي سيؤثر في نظامنا الشمالي، النظام الوطني العروبي المسلم، الذي يناضل من أجل البناء والتقدم، وإزالة آثار الحرب التي عانى منها سبع سنوات.