عصام المطري
تقدير الذات من أهم ركائز الصحة النفسية على الإطلاق، فتقدير الذات يعطي فرصة سانحة للإبداع وللتألق، فلا ينبغي على الإنسان السوي العاقل أن يعنف ذاته ذلك أن التعنيف والإيذاء النفسي للذات مطية للإخفاق والفشل الذريع، فالعباقرة والمتنورين أعطوا لذواتهم فرصة اكتشاف الذات وتقبل الذات بمختلف مقدراتها وإمكاناتها الإبداعية فحققوا النهوض والتقدم والرفاه الحقيقي على وجه هذه البسيطة وتمكنوا من التغلغل في أوساط الشرائح الاجتماعية محققين نمواً اجتماعياً غير ملحوظ أو مسبوق ذلكم لأنهم جعلوا من الصحة النفسية آلية للوصول إلى النجاح والتفوق والإبداع.
* وثمة أناس جهلة ومنحطين لا يقدرون ذواتهم ولا يرجفون عنها ذلك لأن مستواهم العلمي والثقافي متدني، فهؤلاء يكونون فريسة للأمراض النفسية، وليس كل مريض نفساني مستواه العلمي والثقافي متدني، فالعالم إسحاق نيوتن كان مريضاً نفسياً بانفصام في الشخصية، المهم هنا أن الذوق الرفيع في التعاطي والتعامل مع الذات الإنسانية له ثماره المرجوة في الصحة النفسية، وفي التأثير على الإبداع والتألق على أن الإنسان الأريب الذكي يقدر ذاته، ويتفانى في ذلك التقدير، فنحن عندما نتعامل مع الآخرين نستخدم اللطف والحساسية المفرطة وعندما نتعامل مع ذواتنا نستخدم القسوة والوحشية والفظاظة حتى نحدث دماراً هائلاً بشخصياتنا، فهذا نوع من الإملاق، وإفلاس الرصيد، والتقوقع والانكفاء على الذات، وذلكم ليس من محسنات الإبداع، وليس من مقتضيات القيام بأدنى عمل بسيط وللغاية، وهذا له تأثيراته البالغة على الحياة النفسية، فينشأ الفرد مشتت الأفكار خالي الوفاض من حسن التعامل مع الذات الإنسانية، فالله العلي القدير أوصانا بأنفسنا خيراً ولم يأمرنا بالقسوة عليها واستخدام ألوان متعددة من الإيذاء النفسي الهائل، فمن العيب علينا ازدراء الذات وتوبيخها وتحميلها السبب في كل الفشل، فما كان يصيبك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ونؤمن بأن هناك مقادير وأقدار وسنن كونية، "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون"، وهكذا يفهم الإنسان المؤمن العاقل السوي.
* ولئن كان التقدير النفسي للذات هو الركيزة الوحيدة للصحة النفسية للفرد فإن ذلك يفرض علينا أفراداً وجماعات تقدير الذات والوقوف أمام المحسنات والبدائع، ونترك العنف مع الذات ونهمله ذلك لأنه ليس منه أي فائدة تذكر، فهو استخفاف بكامل القدرات الحيوية والبشرية، وهو إرجاف وبعثرة للجهود، وهو عدم دراية بطبيعة الفطرة الإنسانية السوية، فعلينا الجنوح إلى تقدير الذات، والتعامل معها تعاملاً راقياً، فالإنسان الذي يهمل ذاته ولا يرعاها ويأتي في الأخير معنفاً لها يعد إنساناً أبله جاهلاً لا يدري شيئاً عن مكونات النفس الإنسانية المشرقة التي تحلق في الفضاء من أجل تحقيق الهوية الإنسانية وتثأر لمن أهانها وأوجعها نفسياً.
* ثم أن المعنفون لذواتهم هم قوم جبلوا على القسوة ولا أمل فيهم أو رجاء، فهم عبيد شهواتهم ونزواتهم حيث يطلقون للنفس هواها في هذا المضمار ولا يرضون لها الالتزام وحسن الأخلاق، فهم مجموعة آثرت على نفسها إلا إذلال هذا الكائن المخلوق البسيط العادي والتفاني في ذلك حتى يكون مصيرهم الانتحار وإزهاق الحياة في أعظم وأكبر امتهان للمخلوق البشري الكائن الحي، فهو إعدام للذات، وتحقير لها، وممارسة الزيغ والزيف والإرجاف في حق الذات التي هي أمانة عند الإنسان ووداعة، فمن العيب تعنيف الذات لأنه مقدمة حتمية إلى الإسفاف بالنفس وإعدامها وقتلها على هذا النحو المفجع من التجني على الذات، فتقدير الذات باب ونافذة من أبواب ونوافذ السعادة الحقيقية، فالذي يقدر ذاته هو إنسان سعيد ويرضى بمواهبه وقدراته وإمكاناته البسيطة المتواضعة مهما كانت، وتفضيل الذات على ما هي عليه ويؤسف في حقه في العيش السعيد الهانئ محبباً ذاته إلى ذاته، مطوراً من قدراته ومقدراته وإمكاناته الحيوية الهامة من أجل السؤدد والرفعة والعزة والكرامة، وتحقيق أعلى معدلات النمو والنماء الاجتماعي في مختلف ميادين الحياة العامة المتعددة والمتنوعة.<