;

هزيمة "إسرائيل" ونظم التواطؤ 761

2009-01-26 22:39:14

يوسف الزمزمي  

نعم. . حماس والمقاومة هي التي انتصرت، وكانت الهزيمة من نصيب "إسرائيل" ونظم التوطؤ، وأولها النظام المصري

قد يبدو هذا الكلام غريباً لأول وهلة، فالدمار في غزة يشبه دمار القنبلة الذرية، وعشرة آلاف طن من المتفجرات نزلت فوق رأسها، والأسلحة الفتاكة من نوع قنابل الفسفور الأبيض وقنابل "دايم" جرى استخدامها بكثافة، إضافة إلى اليورانيوم المستنفد المشتبه في استعماله، وعدد الشهداء الفلسطينيين الذي قد يصل إلى ألف وخمسمائة، وعدد الجرحى والمعاقين الذي قد يصل إلى ستة آلاف، وكل هذا قد يعني أننا إزاء ضربة إسرائيلية مدمرة للحجر والبشر، وهذا صحيح في حساب البصر، لكن ليس في حساب البصيرة، ففقد دمرت "إسرائيل" المباني لا المعاني، وأزهقت الأرواح لا الإرادات، ودمارها المادي هو جانب من الصورة وليس كلها.

خذ عندك مثلاً التكاليف المالية المباشرة لما جرى، جهاز الإحصاء الفلسطيني يقدر خسائر الدمار وعطب الاقتصاد بحوالي مليار ونصف المليار دولار، وضعف المبلغ تكلفته "إسرائيل" في حربها المجنونة، وكنفقات لتشغيل نصف سلاح الجو، واستدعاء الاحتياط، وتحريك القوات والمركبات والمدرعات، أي أن تكاليف الحرب عند "إسرائيل" تبلغ ضعفها عند الفلسطينيين، أما تكاليف الأرواح عند الفلسطينيين فهي أكبر بما لا يقدس، وقد تتضاءل نسبة قتلى "إسرائيل" وجرحاها إلى عدد شهداء الفلسطينيين وجرحاهم إلى نحو "2%"، لكن الخسائر العسكرية البحتة كانت متوازنة على الجانبين، عدد قتلى الجيش الإسرائيلي، وجرحاه يكاد يساوي عدد شهداء حماس وفصائل المقاومة.

وبحساب الأرقام المجردة تبدو خسائر الفلسطينيين أكبر، فالأرواح لا تقدر بثمن، لكن الحروب لا تصاغ نتائجها بحساب الخسائر، وفي كثير من حروب التاريخ الكبرى كان الطرف المنتصر هو الذي خسر أكثر في الأرواح، روسيا الستالينية مثلاً سحقت جيوش النازي، رغم أن روسيا خسرت "20" مليون قتيل، فوق أن حروب المقاومة مع جيوش المستعمرين في كل التاريخ كانت لها قواعد أخرى وطرق حساب بالغة الاختلاف، فقد قدمت الجزائر مثلاً مليوني شهيد ثمناً لتحررها من ربقة الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، ولم تكن قوة المقاومة التكنولوجي، وحتى في حروب الجيوش تكررت المعادلات نفسها كثيراً، فقد كان الجيش المصري أقل في التطور التكنولوجي بعشر خطوات من الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973م ومع ذلك كان النصر معقوداً لجيش مصر العظيم.

فالحروب تتحقق نتائجها بتحقق الأهداف وليس بهول الصدمة والترويع، فأي جيش تافه كان بوسعه أن يفعل ما فعله الجيش الإسرائيلي قط يلزمه نفس الجنوب العنصري النازي، وقد أثبت الجيش الإسرائيلي تفاهة يستحقها وسط ناره على القول العزل، من دبابات وطائرات تحميه، لكنه عجز عن خوض قتال متلاحم، واكتفى بنصح جنوده بارتداء البامبرز، مع أنهم في بطن الدبابات.

وقد بدت حرب غزة كنصف حرب، وبدا أن "إسرائيل" خشيت أن تكملها، كان التصور "الإسرائيلي" غاية في السذاجة، وهو أن غارات الصدمة والترويع سوف تخضع حماس من أول يوم، لكن الجيش الإسرائيلي عجز عن التقدم إلى أهدافه طوال ثلاثة أسابيع، وهي مدة أطول من حرب أكتوبر ذات الأيام الستة عشر، لكن إسرائيل عجزت عن فتح ثغرة في خطوط المقاومة، ليس لأنها لا تستطيع أن تفعل بل لأنها تخشى أن تفعل، وسارع أولمرت مع باراك إلى إعلان الخيبة في الوقت المتفق عليه مع الأميركيين، ومع فارق أنه لم يكمل الحرب التي وعد بها الأميركيين، فلم تخضع حماس التي فقدت نذراً يسيراً من قوتها في الحروب، واحتفظت بترسانتها الصاروخية المقدرة بالآلاف، ولم يستشهد من قادتها سوى اثنين هما نزار ريان وسعيد صيام، ولم يتمرد الفلسطينيون على حماس تحت ضغط حصار استمر عامين وتحت ضغط محارق النار تحت ضغط حصار وخنق عومل فيه الفلسطينيون معاملة المسلمين الأوائل من قبل كفار قريش، ومع ذلك بدت إسرائيل في حالة الإنهاك واضطرت لوقف إطلاق النار أولاً، وهذه أول مرة تبادر فيها إسرائيل بسحب سلاحها أولاً في تاريخ حروب الصراع العربي الإسرائيلي كلها، بينما أعلنت حماس وفصائل المقاومة وقف إطلاق النار بعد ساعات طويلة استمرت خلالها في إطلاق الصواريخ وأمهلت غسرائيل مدة اسبوع للانسحاب من أراضي احتلتها في غزة، وبدا إن إسرائيل تتعجل الانسحاب الذي تم قبل انتهاء مدة إنذار المقاومة، وبدت الحقائق على الأرض ناطقة، فقد انسحبت "إسرائيل" إلى خطوط ما قبل بدء الحرب، وأضيفت قوة معنوية هائلة لحماس زادت صورتها تألقاً، وأعلن الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما عن استعداده لحوار مع حماس، بشرط اعترافها ب "إسرائيل" وغدا يسقط هذا الشرط، فقد أصبحت حماس هي الرقم الأصعب في المعادلة برمتها.

وبدأ إسماعيل هنية قائد حماس الداخل أكثر إقناعاً وهو يعلن انتصار المقاومة، بينما أولمرت المذعور ومعه باراك يضحك على الإسرائيليين، ف "إسرائيل" كلها تعيش في رعب من عقدة حزب الله، والتي تتكرر في غزة بالنص والفص، فقد أرادت إسرائيل أن تخرج من الحرب بنصف خيبة، لكن الخيبة بدت كاملة الأوصاف، فقد بدت خائفة من اقتحام مدن غزة وتجمعاتها السكانية الكثيفة، وفي بالها نزف الدم والهيبة الذي لقيته في معارك حرب 2006م وهو ما يعكس معادلة الحرب الجديدة التي فرضتها فصائل المقاومة العربية وهي فصائل من نوع مختلف تبدأ سيرتها بثقافة الاستشهاد، ثم تطوير تكنولوجيا ردع ملائمة، ويكون للأمة جيشها الذي لا يقهر، في مقابل جيش إسرائيل الذي أصبحت مهمة قهره حرفة للمقاومة طويلة النفس عظيمة المقدرة.

وقد راهن النظام المصري كما راهنت إسرائيل على هزيمة وتحطيم حماس وخسرت إسرائيل رهان السلاح، كما خسر النظام المصري رهان السياسة واجتمع المتعوس مع خايب الرجاء تماماً كما اجتمع الاثنان على باب القصر المصري عند لحظة إعلان الحرب، وانتهى الطرفان إلى وضع الفضيحة، ولن تفيدهما مذكرات التفاهم ولا الترتيبات الأمنية إياها ولا رعاية واشنطن من وراء الستار ولا على خشبة المسرح فقد جفت الأقلام وطويت الصحف وقضي الأمر الذي فيه ينهزمون. <

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد