المؤلف/ علي محمد الصلابي
وقال ابن كثير:. . ثم عمل عزاؤه بالجامع الأموي ثلاثة أيام، يحضره الخواص والعوام والرعية والحكام وقد عمل فيه الشعراء مراث كثيرة من أحسنها ما عمل العماد الكاتب في كتابه " البرق الشامي" وهي مائتان واثنان وثلاثون بيتاً.
6- سيف صلاح الدين
في قبره:
ويقال إنه دفن معه سيفه الذي كان يحضر به الجهاد والجلاد وذلك عن أمر القاضي الفاضل أحد الأجواد الأمجاد، وتفاءلوا بأنه يكون معه يوم القيامة يتوكأ عليه، حتى يدخل الجنة لما أنعم عليه من كسر الأعداء ونصر الأولياء وأعظم عليه بذلك المنة.
7- وصية صلاح الدين لابنه الملك الظاهر:
أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل خير وآمرك بما أمرك الله به، فإنه سبب نجاتك وأحذرك من الدماء والدخول فيها والتقلد لها، فإن الدم لا ينام، وأوصيك بحفظ قلوب الرعية والنظر في أحوالهم، فأنت أمين وأمين الناس عليهم وأوصيك بحفظ قلوب الأمراء، وأرباب الدولة والأكابر، فما بلغت ما بلغت إلا بمداراة الناس ولا تحقد على أحد، فإن الموت لا يبقي على أحد، واحذر ما بينك وبين الناس، فإنه لا يغفر إلا برضاهم، وما بينك وبين الله يغفره الله بتوبتك إليه، فإنه كريم.
8 -ما خلّف من التركة :
لم يترك في خزانته من الذهب سوى ديناراً واحداً وستة وثلاثين درهماً وقيل سبعة وأربعين درهماً، ولم يترك داراً ولا عقاراً ولا مزرعة ولا بستاناً ولا شيئاً من أنواع الأملاك ، وإنما لم يُخلف أموالاً ولا أملاكاً، لكثرة عطاياه وهباته وصدقاته وإحسانه إلى أمرائه ووزرائه وأوليائه حتى إلى أعدائه وقد كان متقللاً في ملبسه ومأكله ومشربه ومركبه، فلا يلبس إلا القطن والكتان والصوف ولا يُعرف أنه تخطى مكروهاً بعد أن أنعم الله عليه بالملك، بل كان همه الأكبر ومقصوده الأعظم نصر الإسلام وكسر الأعداء اللئام، ويعمل فكره في ذلك ورأيه وحده مع من يثق برأيه ليلاً ونهاراً وجهاراً وهذا مع ما لديه من الفضائل والفواضل والفوائد الفرائد، في اللغة والأدب وأيام الناس، حتى قيل: إنه كان يحفظ الحماسة بتمامها وختامها وكان مواظباً على الصلوات في أوقاتها في جماعة ولم تفته الجماعة في صلاة قبل وفاته بدهر طويل، حتى ولا في مرض موته، كان يدخل الإمام فيُصلي به، فكان يتجشم القيام مع ضعفه.
9- من أروع الرسائل في أخبار وفاة صلاح الدين:
قال صاحب النجوم الزاهرة : وفي ساعة موت السلطان صلاح الدين كتب القاضي الفاضل إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقة مضمونها: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوةُ حسنة) ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم) كتبت إلى مولانا السلطان الملك الظاهر، أحسن الله عزاءه وجبر مصابه، وجعل فيه الخلف للملك المرحوم، وقد زلزل المسلمون زلزالاً عظيماً، وقد حفرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر ،وقد زلزل المسلمون زلزالاً عظيماً، وقد حفرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر ، وقد قبلت أباك ومخدمي وداعاً لا تلاقي بعده وقد قبلت وجهة عني وعنك، وأسلمته إلى الله مغلوب الحيلة، ضعيف القوة، راضياً عن الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبالباب جنود مجندة، والأسلحة المغمدة ما لا يدفع البلاء، ولا يرد القضاء وتدمع العين ويخشع القلب، ولا نقول إلا ما يُرضي الرب، وإنا عليك يا يوسف لمحزونون ، وأما الوصايا فما يحتاج إلهيا، والآراء فقد شغلني المصائب عنها، وأما لائح الأمر فإنه إن وقع اتفاق فما فقدتم إلا شخصه الكريم وإن كان غير ذلك فالمصائب المستقبلية أهونها موته، وهو الهول العظيم والسلام.
10- رؤيا مبشرة:
قال أبو شامة في كتابه الروضتين : ووجدت في بعض الكتب الفاضلية أن رجلاً رأى ليلة وفاة السلطان كأن قائلاً يقول له: خرج الليلة يوسف من السجن وهو من الأثر النبوي: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر". وما كان يوسفنا - رحمة الله عليه- في الدنيا بالإضافة إلى ما صار إليه في الآخرة إلا في سجن، رضي الله عن تلك الروح، وفتح له باب الجنة، فهو آخر ما كان يرجو من الفتوح. ولقد تأثر الناس بوفاة صلاح الدين حتى المؤرخون الأوروبيون ترحموا على صلاح الدين وأشادوا بعدله وبقوته وتسامحه واعتبروه أعظم شخصية شهدها عصر الحروب الصليبية قاطبة، وأما مكانة صلاح الدين فستظل عظيمة أبد الدهر، إذ يكفي ما قام به في سبيل توحيد صفوف المسلمين والدفاع عن كيانهم، ثم مواصلة الجهاد في صورة لا تعرف الملك لطردالغزاة الدخلاء. ولقد كان حبه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاءاً عظيماً، بحيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظر إلا في آلاته، ولا كان له اهتمام إلا رجاله ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحث عليه، ولقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله وأولاده ووطنه وسكنه وسائر بلاده وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح ميمنة وميسرة، ولا شك أن وفاة صلاح الدين جاءت خسارة كبرى للجبهة الإسلامية المتحدة، إذ أنذرت هذه الوفاة بقيام المنازعات بين أبناء البيت الأيوبي والذي سنتحدث عنه تفصيلاًَ بإذن الله تعالى في كتابنا الرابع من سلسلة موسوعة الحروب الصليبية والذي عنوانه " الأيوبيون بعد وفاة صلاح الدين".
هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الثلاثاء. الساعة الثالثة فجراً بتاريخ 05/05/1428ه 22/05/2007 م والفضل لله من قبل ومن بعد وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل ويشرح صدور العباد للانتفاع به ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده قال تعالى: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم.
ولا يسعني في نهاية هذا الكتاب إلا أن أقف بقلب خاشع منيب أمام خالقي العظيم وإلهي الكريم، معترفاً بفضله وكرمه وجوده متبرئاً من حولي وقوتي ملتجئاً إليه في كل حركاتي وسكناتي وحياتي ومماتي، فلله خالقي هو المتفضل، وربي الكريم هو المعين وإلهي العظيم هو الموفق فله الحمد على ما من به علي أولاً وآخراً وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملي هذا لوجهه خالصاً ولعباده نافعاً، وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يثيب إخواني الذين أعانوني من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع، ونرجوا من كل مسلم يطلع على هذا الكتاب ألا ينسى العبد الفقير إلى ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه قال تعالى: (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين)
وأختم هذا الكتاب بقول الله تعالى : (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم).
وبقول الشاعر بن الوردي لابنه:
اطلب العلم ولا تكسل فما
أبعد الخير على أهل الكسل
احتفل للفقه في الدين ولا
تشتغل عنه بمال وخول
واهجر النوم وحصله فمن
يعرف المطلوب يحقر ما بذل
لا تقل قد ذهبت أربابه
كل من سار على الدرب وصل
" سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك"
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه
علي محمد محمد الصلابي
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين.