هناك فن رائع للطفل في ثقافتنا الشعبية خذله التوثيق، يبعث في النفس السكون ويؤثر على شخصية الطفل مستقبلاً بالإيجاب.. إلا أننا ننتظر اللحظة التي سنستورد فيها الألحان المعلبة من الخارج والمنتهية الصلاحية..
يتأثر الطفل بالموسيقى والألحان سلباً أو إيجاباً لذا كره العلماء أن ينام الطفل على أصوات مزعجة أو وهو يبكي لأنه يعد سبباً للانفعال والتوتر الذي يلازمه طوال عمره لأن الأصوات والألحان تؤثر في شخصية الطفل فيما بعد وقد حرص أجدادنا على ابتكار فن خاص بالطفل يتباين حسب الأعمار المختلفة للصغار حتى ما يخص "الرضع حديثي الولادة" الذين يرتاحون لدندنة أمهاتهم فيكفون عن البكاء وينامون بفعل تأثير الموال الروحي الذي يبعث الهدوء في النفس وهذه الألحان والمقطوعات الغنائية وتسمى في بعض مناطقنا الريفية "بالمدالبة".. إنها جزء هام من ثقافتنا الشعبية تناسيناها فما أحوج أطفالنا إلى السكون تحت تأثير الموال الروحي وجدير بهذا الموروث الفني صيانته بالتوثيق ولعل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 3- 9 سنين ظلوا يفتقدون الفن المتناسب مع أعمارهم ولعلي في بعض الفترات السابقة أحسست بتخبطهم بين أغاني تنضارب مع استيعابهم فهم يحسون أنهم يعانون من خواء عاطفي لا يستطيعون التعبير عنه أو حتى معرفة ما ينقصهم مع أن هذا الخواء كان بالإمكان أن يسده موال روحي يكاد يتلاشى من ثقافتنا الشعبية دون توثيق لنستورد بعدها علباً من الموسيقي والألحان الخارجية المنتهية الصلاحية حتى يصبح المجتمع العربي بمختلف شرائحه تحت التأثير الغربي.. إن هؤلاء الأطفال الذين ظلوا يعانون من خواء عاطفي تلاحظ بأعراضه على ملامح طفوليَّة، تطلب براءة خانها التعبير إذ أن ما ينقصهم كان يبدو لي طلباًَ ملحاً لكنه يتجمد على شفايف الصغار قبل أن يجد حروفاً للبوح فيتلاشى الطلب الطفولي قبل التكون النطقي للفظة حتى ظهرت أغنية "شخبط شخابيط" رأينا مدى الاستجابة التي كانت عاجلة وفورية ولا زال الأطفال يرددونها حين تعثر التجديد ولو كان من خارج الحدود فالأغنية هذه عكست مدى لهفة الأطفال وكشفت لنا أن هناك عاطشاً بين أحضاننا أخرسته الطفولة - وكنا لا نعلمه ونحن في مجتمعنا اليمني لدينا من هذا الفن فائض من ثقافتنا الشعبية يكفينا وأكثر لكنه يغور بفعل الإهمال لترك أطفالنا يتخبطون بين ما يعجبهم في القنوات المفتوحة رغم قصور إدراكهم.. فالغرب وثق تراثه بمختلف أنواعه ليصدروه لنا.
ونحن من هذا القبيل لدينا مورث فني رائع تغنت به الجدات لأطفالهن وحتى لأطفالنا أذكر من هذه المواويل التي تستخدم لتنويم الطفل المتوتر وهي تركز على نوع اللحن الهادئ أكثر من الكلمات التي لا يعيها الطفل الرضيع نذكر بعضاً منها لنتعرف عليها:
الله.. الله.. يا عبدالله.. يا للي قروشك تملأ الدَّلهَ
دالوب.. دالوب.. للصٌّغّيرَّ يرقد.. الله
وتتغير اللهجة بإيقاعات تخرج عن الهدوء قليلاً:
هوا لوه صغيري يفرح لأبوه وأخواله
عندما يبدأ الطفل باستيعاب الكلمات وهو في سن الخامسة مثلاً ويحتاج لترديد الألحان أثناء ملاعبة أسرته هناك مقطوعة تقول:
صوت "الصرورة" تصر - صوتها بوادي المحل
اسمعها يا بتول - اسمعها ما تقول - قالت ابن عمها قتل
بالسيف والجنبية والجنبية محلية
من الأهازيج الروحية للأطفال في بعض مناطقنا:
بحق محمد نبي الرحمة وهادي الأمة فرج عنا يا ربي الغمة
ومنها: يا بقرة صبي لبن.. عبدالله سافر عدن.. بنت أخته جابت ولد.. سميته عبد الصمد.. عبد الصمد يشتي حليب.. والحليب من البقر.. والبقرة يشتي حشيش.. والحشيش من الجبال ..والجبال تشتي مطر ..والمطر من ربنا.. وربنا يشتي صلاة.. والصلاة من عندنا.
وهو ما يرسخ القناعات لدى الأطفال أن الأرزاق مرتبطة بمخ العبادة وهو الدعاء.
وهناك أهازيج سريعة للهو الأطفال حيث يرددون:
جدتي محسنة نزلت الوادي تقطف كاذي لأبن الهادي.. الخ.
وهناك حكايات مبسطة في ثقافتنا التراثية مفعولها ربما كتأثير مجلات الأطفال اليوم.. تلك الحكايات لا نريد لها الاندثار فلر بما نستفيد منها.